حريتنا تتطلب أيضًا برمجيات حرّة

2016-03-06

أصبحت الحريات والحقوق الرقمية جزءًا جوهريًا للحريات والحقوق المدنية الإنسانية.

كان من الصعب تصديق أن أحداث رواية 1984 لجورج أوريل يمكن أن تكون حقيقية، وبأنّه يمكن للحياة أن تكون على هذا الشكل رغم تقاطعات كثيرة مع الوضع السياسي والاجتماعي في سوريا؛ إلا أن الصورة الإجمالية التي رسمتها الرواية كانت خانقة بالفعل.

اطّلعتُ لاحقًا على قائمة الدول التي منعت الرواية لفترة من الفترات، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية (إبان أزمة صواريخ كوبا)، والاتحاد السوفيتي الذي لم يرفع الحظر عنها حتى عام 1990 (أي قبل انهياره بعام!).

في العموم كان الاتحاد السوفيتي أكثر صرامةً في فرض الرقابة على حياة مواطنيه (ثقافيًا، سياسيًا، فنيًا إلخ)، فعلى سبيل المثال كان ثمّة جهاز مخصص يدعى Goskomizdat يتولى رقابة المواد المطبوعة، بالإضافة إلى أجهزة رقابية أخرى مسؤولة عن ما يبث في السينما، الإذاعات، التلفزيون، دور الأوبرا إلخ.

بل أكثر من ذلك فإن حيازة واستعمال آلات النسخ كان يخضع لإجراءات شديدة التعقيد، تضمن عدم استخدامها سوى في طباعة وإنتاج المواد الثقافية المؤيدة للإيديولوجية الشيوعية.

كما تم التشويش على موجات البث الإذاعي الخارجية لمنع استقبال أية معلومات من العالم المحيط، ومُنع استخدام أجهزة استقبال لموجات أطول من 25 متر.
للأسف لا تبدو الصورة السابقة ضربًا من جحيم الماضي، فلا يزال عالمنا العربي يُحكم من قبل سلطات تستخدم القمع، العنف، القتل، التهجير بل وحتى شن الحروب على شعوبها إذا ما طالبت بالحريات.

الاستخدام المتزايد للتقنيات الرقمية والاعتماد الكبير عليها في إنتاج، بث وتداول المواد المرئية، المسموعة، والمقروءة يجعل النضال لتحقيق (والحفاظ على) حريتها شرطًا لازمًا لصيانة الحقوق والحريات المدنيّة.

لقد غيّرت السنوات العشرة الأخيرة من أسلوب حياتنا وبات اعتمادنا على الوسائط الرقميّة وتقنياتها أساسيًا لممارسة معظم أنشطتنا الثقافية، الفنيّة، الاجتماعيّة، السياسيّة وغيرها، ما يجعل الصلة بين الحريات المدنيّة من جهة والحقوق والحريات الرقميّة من جهة أخرى شديدة الأهمية.

كيف يمكن للتقنيات أن تكون حرّة أو أن تكفل حريّة مستخدميها؟*

بشكل رئيسي هناك أربع حريات ينبغي أن يحترمها التطبيق أو التقنية:
– أولًا حريّة تشغيل البرنامج لأي غرض كان، بدون أن يكون المستخدم مطالبًا بالإفشاء عنه للشركة المطوّرة أو أي جهة أخرى، غرض المستخدم هو المهم وليس غرض المطوّر وهذه هي الحرية الأولى؛ عدم تقييد الاستخدام.

– ثانيًا حريّة****دراسة كيفيّة عمل البرنامج وتعديله ليتوافق مع رغبات المستخدمين، سواء بغرض شخصي أو مهني، يجب أن يكون التحكّم بأسلوب عمل التطبيق وتعديله متاحًا للجميع دون قيدٍ أو شرط.

– ثالثًا حرية توزيع البرنامج على الآخرين، وبهذا تتمكّن من مساعدة جيرانك وأصدقائك ممن لا يملكون ثمن البرنامج، فوجود ثمن لشراء التطبيق لا يجب أن يمنع مشاركته مع الآخرين وهذه هي الحرية الثالثة؛ عدم تقييد النسخ.

– رابعًا حرية توزيع نسخك المعدّلة من البرنامج، سواء بشكل مجاني أو مأجور وبذلك يستفيد المجتمع بأسره من تعديلات الآخرين.

يكون البرنامج حرًا إذا امتلك مستخدموه (سواء اﻷفراد أو المجموعات) جميع هذه الحريات وحينها يمكنهم التحكم بما يفعله البرنامج لهم، أما عندما ﻻ يتحكم المستخدمون بالبرنامج، يتحكم البرنامج بمستخدميه. يتحكم المطور بالبرنامج، ويتحكم بالمستخدمين من خلاله. بالتالي، يكون هذا البرنامج غير الحر أو ”الاحتكاري“ أداة تعطي سلطة غير عادلة.

لجعل الحريتين الثانية والرابعة ممكنتين، يجب إتاحة الوصول للشيفرة المصدرية للبرنامج.
أعيد التأكيد على النقطة الجوهرية: المسألة تدور حول الحريّة وليس حول الثمن، لا يهم كون البرنامج مجاني أو مدفوع، المهم أن يُعطي لمستخدميه الحريات الأربع السابقة.

حركة البرمجيات الحرة

في ثمانينيات القرن الماضي لاحظ أحد مبرمجي معهد الذكاء الصنعي MIT ويدعى ريتشارد ستولمن القيود التي تزداد بشكل تدريجي على البرمجيات آنذاك، وتحوّلها إلى أدوات تعطي سلطة غير عادلة لمبرمجيها، فبدأ حركة البرمجيات الحرّة FSF والتي كتبت نظام التشغيل غنو GNU ودمجته لاحقًا مع النواة لينكس ليخرج لنا غنو/لينكس (يُشتهر اليوم باسم لينكس)، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الأدوات، التطبيقات، البروتوكولات والصيغ الحرّة، والمتاحة برخص تكفل تلك الحريات قانونيًا وتمنع عكسها.

وفي المقابل عندما يقيّد البرنامج أحد هذه الحريات (أو جميعها) فإنه يُعتبر برنامج احتكاري، كأن لا يسمح بتشغيل البرنامج لبعض الأغراض، أو يغلق الشيفرة المصدرية مما يعيق إمكانية تعديلها، أو يُجرّم نسخ التطبيق لمساعدة الآخرين.
ومن هذه القيود ستنتج أضرار أخرى، مثل عرقلة استخدام البرنامج وحرمان جميع مَن لا يملك ثمنه من استخدامه (في الماضي كان النسخ يُجرّم لأهداف سياسيّة، أما اليوم فهو يمنع لأغراض ربحيّة)، إضافةً إلى الضرر الحاصل بالتماسك الاجتماعي، إذ لن يُتاح لأحد مساعدة جاره أو صديقه (هذا يشبه قولك “أتعهد بحرمان جاري من هذا البرنامج حتى أتمكن من الحصول على نسخة لنفسي”)، علاوةً على أن تقييد النسخ (والمعروفة باسم إدارة القيود الرقمية DRM) يُطبّق كذلك على الكتب والمصادر الثقافية والتعليمية مما يُوسّع دائرة الضرر، إضافةً إلى استحالة موائمة البرنامج لمختلف الأغراض باعتبار احتكاريّة الشركة لشيفرته المصدريّة والاضطرار إلى إعادة اختراع العجلة في كلّ مرة.

كيف تعطي البرمجيات الاحتكارية (غير الحرّة) سلطة للشركات على مستخدميها؟

– استخدمت أمازون في عام 2009 أحد الأبواب الخلفية في تطبيقها Amazon Kindle لحذف نُسخ Kindle من كتابي 1984 و مزرعة الحيوانات لجورج أوريل، الذين اشتراهما الناس من متجرها.

– تخصص غوغل نسخة من منصتها يوتيوب لتتلاءم مع الطلبات الحكومية، على سبيل المثال لا يُظهر يوتيوب باكستان أية مواد تعتبرها الحكومة معارضة أو معادية للسياسة أو الدين في باكستان.
كما تحجب الشركة خدماتها على مجموعة من الدول التي تعتبرها دولًا إرهابية (منها سوريا).

– تملك غوغل في أجهزة أندرويد (عبر GtalkService) بابًا خلفيًا يعطيها القدرة على حذف أي تطبيق من أجهزة مستخدميها. وبغض النظر عن استخدام هذه السلطة بشكل جائر أم لا، إلا أنّه يجب أن يملك المستخدمون إمكانية اختيار من يمكنه التحكّم بأجهزتهم عن بعد.

– تستخدم مايكروسوفت بابًا خلفيًا في ويندوز لأخذ نسخة من مفتاح التشفير الخاص بك!
أكثر من ذلك؛ تشير تقارير إلى وجود باب خلفي في ويندوز 8 يُسمى “الأجهزة الموثوقة” يسمح بالتحكّم الكامل بالجهاز عن بعد، وكانت تسريبات قد أشارت إلى تحذير الحكومة الألمانية من استخدام ويندوز 8 لترجيحها استعمال وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA لهذا الباب.

– تملك أجهزة iPhone بابًا خلفيًا يُتيح للشركة حذف التطبيقات التي تراها “غير مناسبة”، بينما قال جوبز أنّه لا مشكلة في امتلاك أبل لهذه السلطة لأنه يمكننا الوثوق بها**.

هذه أمثلة سريعة على سياسة الشركات الرأسمالية في التحكّم بالمستخدمين وأجهزتهم، بل وحتى التعاون مع الحكومات ووكالات الاستخبارات للتجسس على الأفراد، كما كشف إدوارد سنودن صيف عام 2013 من تعاون كبرى شركات التقنية (كمايكروسوفت، غوغل، أبل، فيسبوك وغيرها) مع وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA بغرض التجسس ضمن إطار برنامج بريزم.

الآن كيف تبدأ بالتحوّل؟

– اقرأ دليل البرمجيات الحرّة ومفتوحة المصدر، وجرّب استبدال تطبيقاتك الحالية إلى مقابلاتها الحرّة.

– خصص وقتًا للقراءة عن نظام التشغيل غنو/لينكس، وكيفية اختيار وتركيب إحدى توزيعاتها (كتاب أوبونتو ببساطة، كتاب مدير دفتر دبيان).

– انتقل لاستخدام نظام تشغيل أكثر حريّة لهاتفك النقال مثل سيانوجين مود.
– اهتم بشراء عتاد يتوافق مع البرمجيات مفتوحة المصدر.

كتبتُ هذه التدوينة بمناسبة انضمامي إلى مؤسسة البرمجيات الحرّة كعضو مساهم، لدعم البرمجيات التي تُشرف عليها المؤسسة،وكذلك حملاتها المختلفة، وذلك بعد سبع سنوات ونصف من اعتمادي الكلي على البرمجيات الحرّة.

** المزيد والمزيد أيضًا.

comments powered by Disqus