عندما يصبح اللاعنف دعوةً إلى الإنقراض !

2010-08-29

لم أكن مستعدًا لأي مفاجأت فكرية عندما حدّثني صديقي عن الحلقة الفائتة من برنامج ‘الإتجاه المعاكس’ والتي استضافت الأستاذ جودت سعيد والداعية نادر التميمي.
وكنتُ قد تعرّفت على الأستاذ جودت عن طريق لقاءاتي الإلكترونية المتعددة بالزعيم الهندي غاندي، حيث قرأت اسمه – أي جودت، أول مرّة في صفحة ‘اللاعنف’ من ويكيبيديا.
بعد ذلك قرأت للأستاذ جودت ثلاثة كتب، الأول ‘حتى يغيّروا ما بأنفسهم’ والثاني ‘العمل قدرة وإرادة’ والأخير ‘مذهب ابن آدم الأول’.

أذكر من أفضل الأفكار التي قرأتها عند الأستاذ جودت، توضيحه بأنّ قصورنا الذاتي هو أساس المشكلة، وليس الآخر وقوته ومؤامراته وهيمنته، فلولا ضعفنا لما تمّ استغلالنا، ولولا قابلية الإستعمار فينا لم تمّ استعمارنا. وهذا يتطلب منّا أن نعالج تخلفنا وجهلنا وضعفنا لا الإهتمام بالآخر وقوته وهيمنته ومؤامراته.
ومن أفكاره الرائعة، دعوته لنهل العلم وطلبه موضّحًا أن الإنتفاع بمافي القرآن الكريم لايكون إلا بالعلم بنص الحديث الصحيح ” ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قال : ذاك عند أوان ذهاب العلم قلت يا رسول الله : كيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة ؟ قال : ثكلتك أمك يا زياد : إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرأون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء ”
فهاهنا قال المصطفى أنّ الإنتفاع بمافي الكتاب رهن بمقدار العلم الذي لدينا.
كما أنّ إعلاءه لقيمة العقل والعلم وأهميتهما في نهوض الأمّة راقت لي، وكنت آنذاك قد قرأت كتاب ‘مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي’ لمالك بن نبي، فشعرت بأنه تلميذ لبن نبي، ولاسيما أن الأخير قد قدّم له أحد كتبه.
ولايمكنني أن أسرد الأفكار التي أعجبتني من كتبه فهي كثيرة.
وكان يتوجب عليّ كتابة ملخص لما قرأت من كتبه لما فيها من أهمية بالغة، وعسىى ذلك أن يكون قريبا

لكنّي اليوم أريد أن أقف مع إحدى أفكاره، والتي لم أطلع عليها إلا من خلال الحلقة التلفزيونية (والتي قرأت نصها كاملًا) ، ففي كتابه ‘مذهب ابن آدم الأول’ وفيه يشرح مبدأه في اللاعنف، حسبته يتكلم عن تغيير مجتمعاتنا العربية المسلمة، لكن يبدو أن للأستاذ جودت رأي آخر ..
فليس المجتمع العربي المسلم هو مناط تطبيق نظريته في العمل اللاعنفي – وهذا الذي أؤمن به من اللاعنف – وإنما يقصد بنظريته تلك اللاعنف تجاه أمريكا وتجاه ‘إسرائيل’ ..

حسنًا … دعونا نبدأ مع الأستاذ جودت من بداية الحلقة :
يقول ‘أنا منطلقاتي الفكرية تأتي من القرآن ومن التاريخ من تاريخ الإنسان … مثلا هذا اليابان البلد الصغير الذي في طرف الأرض لم تلق قنبلة نووية على أحد غير هؤلاء ولكن هؤلاء لم يصيروا مستعمرين مثل البلاد الإسلامية ولكنهم لم يقتل منهم أيضا واحد ولم يقتلوا من الأميركان واحدا وصاروا قوة عظمى
جميل، إذًا القرآن والتاريخ …
التاريخ يا أستاذ جودت!! هل صحيح أنك قرأت التاريخ ؟؟ تاريخ اليابان على الأقل، ذلك البلد الذي تستشهد به ..
إذا كان إحتلال اليابان للصين وكوريا واندونيسيا والفلبين وماليزيا واجزاء من روسيا وغيرها في الحرب العالمية الثانية، لا يجعل اليابان تقف في خانة المستعمرين، فماذا إذًا .. هذا فقط في العصر الحديث، ولو عدنا إلى التاريخ العام لليابان لرأينا من المعارك والحروب مامرّت به أي دولة ..
ثم يقول ‘لم يقتلوا من الأميركان واحدا وصاروا قوة عظمى‘، ومن هنا نفهم شيئين :
الأول : قلّةُ قراءةٍ أو إطلاع، عند شخص يستمد منطلقاته الفكرية من التاريخ، فعلى سبيل المثال في معركة ‘بيرل هاربر’ في ديسمبر 1941 هاجمت القوات اليابانية بصورة مباغتة الولايات المتحدة ، وأسفر الهجوم الذي شنته 353 طائرة يابانية عن مقتل 2403 جندي امريكي، 68 مدني، وإغراق أو إتلاف 19 سفينة وبارجة حربية، وتدمير 188 طائرة، وهذا في معركة واحدة!!
الثاني: أن عدم قتل اليابانيين لأي أمريكي مرتبط بكونهم اليوم قوّة عظمى!! وحبذا لو أشار علينا كيف ربط هذا بذاك، ربما عدم القتل مرتبط بصناعة حضارة عظيمة (حتى هذا غير ممكن، فحضارة المسلمين لم ترتبط بعدم القتل وإنما بتقنينه إلى أقل حدٍ ممكن، لكن لطالما فرض القتال فرضًا على المسملين) ولكن بالتاكيد ليس مرتبط بصناعة ‘قوّة’ عظمى.

هناك فكرة أخرى من التاريخ ذكرها الأستاذ جودت في الحلقة، يقول ‘أريد أن أقول إن ليس هذا فقط الذي ابتكره الأوروبيون، ابتكروا وسائل نقل غير الخيل والبغال والحمير ابتكروا وسائل لنقل السلطة، أرجوك اسمعني، ابتكروا وسيلة لنقل السلطة غير القتل وهو.. الديمقراطية
الأوربيين لما ابتكروا الديمقراطية هذا شيء جديد في تاريخ الإنسانية، منذ خلق الله الكون ما حدث تجمع بشري بكلمة السواء أنه يعني كل الناس لهم حق أن يرشحوا أنفسهم وكل الناس لهم حق أن يختاروا وأدنى سلطة أيضا يساوي أعلى سلطة أيضا، هذا شيء لا يشم رائحته الذين ينادون بالإسلام وبالأذان!..

الديمقراطية هي وسيلة لنقل السلطة !! لم أكن أظن أن مفكّرًا بحجم جودت سعيد سيقول مثل هذا، نقل السلطة !! بين مَن ومَن .. حسنًا سأضرب مثلًا … أمريكا، بلد الديمقراطية …
“إنه من السذاجة بمكان الاعتقاد أن أوباما ترشح إلى المنصب، ثم فاز به بعضلاته الشخصية. ففي أمريكا الرئيس “لا ينـُتخب وإن انتخب، بل يُصنع صناعة”. وليس هناك أدنى شك بأن الرئيس الأسود مصنوع من رأسه حتى أخمص قدميه.ويكفي أن نعلم أن وسائل الإعلام الأمريكية التي تستطيع أن تقوّلب الشعب الأمريكي كما يقوّلب الخباز قطعة العجين لعبت الدور الأكبر في جعل الناخبين الأمريكيين يدلون بأصواتهم لصالح أوباما بدلاً من ماكين.فقد أيد أكثر من مئة وأربع وخمسين صحيفة أمريكية المرشح الديمقراطي أوباما، ومن بين تلك الصحف كبريات الصحف الأمريكية التي لا يُرد كلامها أبداً، بينما لم يحظ المرشح الجمهوري ماكين إلا بتأييد خمسين صحيفة.وكذلك فعلت شبكات التلفزة الأمريكية التي تسيطر على عقول المشاهدين الأمريكيين البسطاء وقلوبهم.فجاء معظمها مؤيداً لأوباما وحاضاً الناخبين التصويت له يوم الاقتراع.بعبارة أخرى، فإن الذي انتخب أوباما عملياً وسائل الإعلام المملوكة للمؤسسة الأمريكية الحاكمة التي تدير البلاد من وراء ظهر الرئيس، بعد أن تكون قد أوصلته إلى سدة الرئاسة.”*****
إنها يا أعزائي نخبة الـ 1% التي تدير البلاد حقيقةً (ألم تقرأوا بعد كتاب الفردوس؟)

ماذا بقي لدينا ؟؟
الجانب الشرعي … وقد تحدّث الداعية الأردني نادر التميمي وأجاد، وليس لي هنا إلا أن أنقل كلامه، الأستاذ جودت حقًا لديه خلط كبير هنا، فمواقف الجهاد اللاعنفي التي دعا وأثنى عليها رسولنا عليه الصلاة والسلام في مكة كانت قبل تشريع الجهاد …
جودت سعيد يقول : إذا صفعتك أمريكا على خدك الأيمن فأدر لها الأيسر. ويقول هكذا قال غاندي
بينما القرآن يحدّثنا {..فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ..} ويقول {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ..} .. أمّا صبرًا آل ياسر فهي في مرحلة مكيّة مبكرة جدًا …
أظن أن الوقت قد حان لقراءة كتاب الدكتور القرضاوي الأخير عن الجهاد حتى تتضح معالم الصورة الشرعية أكثر … ألا توافقوني الرأي؟

لا أريد أن أطيل عليكم، لكن مازال في نفسي شيئًا أود أن أقوله، أنا بإنتظاركم في التدوينة قادمة إن شاء الله ..

*النص المقتبس من كلام الدكتور فيصل القاسم


comments powered by Disqus