أنالوج: أفضل برنامج لتنظيم الصور

2020-09-19

تربيتُ كمعظم أبناء جيلي في منزل يضم عشرات الكاسيتات الصوتية، مُكدّسة في أدراج وموزعة على الأرفف، ومُسجلاتٍ متفاوتة الأحجام والأشكال، منها ما يُحمل باليد، ومنها متعدد القطع. في هذا المنزل لا بدّ أيضًا من أن تجد طنًا من الورق المطبوع، على شكل مجلات، كتب، صحف، وغيرها من المطبوعات، التي تتراكم شهرًا بشهر، وتتضاعف ولدًا بولد. هل نسيتُ ألبومات الصور العائلية، المكومة فوق بعضها؛ والموثِّقة لمئاتٍ من اللحظات الدافئة، بدءًا من عقد قران أبويك، مرورًا بصورك تلعب هنا أو هناك، وانتهاءًا بصور أحدث العطلات العائلية.

بل ويمكن القول بأن عالم الديجيتال لم يكن يعني لنا شيئًا أكثر من خيالٍ افتراضي، دبلجه مركز الزهرة وعُرض على قناة سبيستون، واستمتع بعضنا - ربما - بمتابعة حلقاته. لكن واقعنا، على الأقل واقعي، كان أنالوجيًا بامتياز.

الحاسوب كان موجودًا، ومنذ وقتٍ باكرٍ نسبيًا، وكانت المهام الحقيقية التي نقيضها عليه محدودة، فخارج التسلية واللعب، أذكر مراسلاتي لأقاربٍ لنا مغتربين والتواصل معهم، طباعة مجلة مدرسية وبعض حلقات البحث التي كانت تُطلب منا. شيئًا فشيئًا كانت هذه القائمة تنمو وتزداد. ثم كان مجيء الهواتف الذكية ودخولها إلى جيبونا نقطة تحوّل شخصيّة في التوجه نحو الرقمنة.

ألبومات الصور مسحتُها للاحتفاظ بها رقميًا. ألبومات الأغاني حصلتُ على نُسخها من الإنترنت، تدريجيًا (وتداخلًا مع أسباب أخرى) توقفت عن شراء معظم الدوريات التي كنت أتابعها، المحتوى العربي على الإنترنت كان آخذًا بالإزدياد والوقت للمُطالعة الحرّة آخذٌ بالتناقص. ما هي إلا بضع سنوات وها نحن نُجري معظم أنشطتنا باستخدام أجهزةٍ رقمية ذكيّة في عالم الديجيتال الرائع.

- ما هو أفضل برنامج لتنظيم الصور؟

- الطابعة

بالنسبة لي، فأنا أعمل من المنزل منذ أكثر من خمس سنوات، وإلى جانب العمل تتركز جُلّ أنشطتي الأخرى على عددٍ من أجهزة الحاسوب، متفاوتة الأحجام والإمكانيات. هذا الروتين اليومي بدأ يخلق لديّ حالة من التململ والتعب من الجلوس أمام الحاسوب، التحديق بشاشة مضيئة، أو الإمساك المطوّل بجهاز أنيق. هذا من جهة.

من جهة أخرى، وجدت أن كثافة المحتوى الرقمي لها جانبها السلبي. امتلاء جهازي بآلاف الصور مهما كانت مُرتبة ومصنفة وموسومة لا يدفعني وزوجتي (مثلًا) للجلوس في أحد المساءات لتصفحها واستذكار بعض مافيها؛ كنشاط كنا نستمتع به سابقًا في منازل أهلنا. مئات المواضيع المكتوبة أو المترجمة لا يجعلني أجلس للمطالعة كما كنتُ أفعل سابقًا. أجل لا زلتُ أقرأ، لكنها قراءةٌ وظيفيةٌ في معظمها، تمسح الفقرات سريعًا، بحثًا عن معلومة مفيدة أو التقاطًا للفكرة العامة.

مرةً، وبنظرةٍ سريعة إلى منزلنا اكتشفنا في أحد الأيام أنه ليس بحوزتنا صورة مطبوعة لنا نعلقها هنا أو هناك، ليس لدينا شيء يمكن الاستماع له بغياب الإنترنت أو الكهرباء، لم نقرأ دورية مطبوعة منذ دهرٍ سحيق.. منذ ذلك الوقت قررنا الاهتمام مُجددًا بالأنالوج، وأن يكون له مساحة محفوظة في منزلنا وحياتنا.

ما بدأنا به هو العودة إلى أرشيف الصور الذي لدينا، اختيار أجمل الصور منذ البداية وطباعتها جميعًا. الصور بعد طباعتها أصبحت مُعبّرة أكثر، وممتلئة بالحياة، شعور جميل أن تمسك صورة تُحبها بيديك وتتأمل بها، أن تجمع ألبومات صور توثق حياتك مع مَن تحب، أن تُزين منزلك بصورٍ تذكارية مُميزة. صور الأشخاص المطبوعة بألوانٍ مُتقنة على كرتون لامع، ليس نفسها صورهم كفوتونات على شاشة مضيئة، هل يبدو هذا حنينًا لا أكثر؟ أجل لكنه يحمل ويخلق معنى في وجداني.

من الأشياء الجميلة التي جربناها، هي طباعة الصور المميزة للزيارات العائلية الكبيرة وتقديمها كهدية مفاجئة في نهاية الزيارة. لم يعد أحد يتوقع أن يودعك وفي يده صور توثق لحظاتٍ مميزة قضيتموها سوية، هذا تذكار يحمل الكثير، تذكارٌ يمكن لك أن تتأمله في الطائرة دون أن تخشى على شحن جهازك من النفاذ قبل أن تصل إلى جهتك.

هناك أمر مثير للسخرية حصل معي ومع غيري في سنوات الحرب التي عشناها ثم خروجنا من البلد، أنه ورغم عمليات النسخ الاحتياطي، والتخزين السحابي، ومشاركة الصور مع الآخرين لحفظها، وجدنا أحيانًا أن الصور المطبوعة كانت صاحبة حظٍ أكبر بالنجاة والحفظ من نظيرتها الرقمية في ظل ظروفٍ استثنائية لم تخطر على بالك يومًا فلم تُخطّط لها.

بالطبع هذا لا يعني أننا توقفنا عن حفظ صورنا الرقمية، تنظيمها وفهرستها كالمعتاد، لكنه يُشدد على البُعد الذي كان غائبًا مع غياب الصور المطبوعة والأثر الذي تتركه في المنزل، الذاكرة والوجدان.

comments powered by Disqus