المدرسة .. من أدوات المسبتد!

2012-05-18

تسعى جميع السلطات السياسية في كل دول العالم على ضمان استقرارها واستمرارها، وجريان مصالحها (حتى لو تغيرت الأسماء والوجه في الدول الديمقراطية! فهذا لا يعني بالضرورة تغيّر السلطة الحاكمة، وهذا موضوع آخر)
وفي هذا الحرص تستغل السلطات** المدارس باعتبارها أداة برمجة وإعداد مواطني المستقبل** بحيث تنشأ الأجيال بطريقة معينة تضمن اندراجها في ثقافة القطيع، وعدم المعارضة واستهجانها، وتوجيه اهتمامها نحو شأنها الخاص فقط وتعطيل تفكيرها الحر المستقل وما إلى ذلك من** مفردات ترتاح لها السلطات السياسية.**
لذا تعتمد المدرسة على منهج** يكبح جماح التساؤل** عند الأطفال ويبتعد عن استثماره ليصبح طريقة في التفكير، وهذا ملاحظ، حيث تختفي أسئلة الطفل الكثيرة مع بداية دخوله المدرسة.** كما لا تنمي هذه الأخيرة مهارة التفكير النقدي** عند الأجيال بل وكثيرًا ما يشجع النظام التعليمي على التبعية العقلية او التقليدية، الأمر هنا غير مرتبط بمنهج تعليمي معين بل بسياسة دولة (وهذا موجود في كل المدارس الحكومية في العالم!).
ومما تعمل المدارس على زرعه في كيان أطفالها (الذي لم يعد يتطلب تخطيطًا ومتابعة بل بات إفرازًا من المجتمع نفسه للأسف) :

– تبخيس القيمة والإهانة المعنوية: وهذا أيضًا من أخطر ما قد يتعرض له الطلاب في المدرسة، خصوصًا في المراحل العمرية المبكرة، أي في مرحلة بناء الطفل لصورته عن ذاته وقيمته الشخصية، مفردات مثل : الفشل، الكسل، الغباء، عدم الفهم، وغيرها الكثير هي من المكونات الرئيسية للقاموس اللغوي في المدرسة.

– المدرسة تربي الطفل ليصبح جزءًا من شريعة الغاب: حيث القوي يأكل الضعيف، أو الشاطر يدوس على الكسول، فحتى تكون «الأول» يجب ان يكون هناك «الأخير»، المدارس لا تشجع الأطفال على التعاون العلمي وتشارك المعلومات (الذي يسمى غشًا ضمن حرمها) بل احتكار المعلومة والاستئثار بها واحدة من طرق التميز، المدرسة تدفع الطلاب للتنافس مع الآخرين وليس للتنافس مع النفس، ودومًا ما نجد في صفوفها فئة قليلة جدًا من الطلاب تتناوب فيما بينها على المراكز الثلاثة الأولى، بينما يبقى بقية الطلبة متفرجين .. ما هو محصلة كل ذلك ؟ انظروا حولكم، انه مجتمع شريعة الغاب والاحتكار وعدم التعاون وافتقاد القدرة على العمل الجماعي …

– المدرسة تغرق الطفل بحفظ الحقائق والمعلومات بدلًا من التفكير بها ووضعها ضمن سياقات جديدة أو استخدامها في حل مشاكل حقيقية : لم ما زلنا مصرين على صرف وقت كبير في حفظ معلومات بات من الممكن الوصول اليها من اي جهاز خليوي، او حاسوب، بدلًا من اعمال العقل بها ومحاولة الاستفادة منها لحل مشاكل المجتمع.
النتيجة : مجتمع يعاني من مشاكله نفسها منذ عقود!!

– المدرسة لا تعلم الأطفال كيف يتعلموا بأنفسهم، أقصد أنها لا تعلم مهارات القراءة والكتابة والتحدث والاستماع والبحث والتفكير ، انظروا مثلا الى طلاب المرحلة الثانوية التي يفترض انها آخر المراحل التعليمية وقد اكتملت بعدها في شخصية الطالب ثمار المدرسة : خوف من كتابة موضوع تعبير مؤلف من 15 سطر، رهبة من التحدث أمام الآخرين، قدرة نقاشية متدنية، مستمع سيء، الدروس الخصوصية بذروتها .. حتى في الجامعة : الدروس الخصوصية والدورات سوق رائج جدًا ..
النتيجة : الطالب ليس لديه قدرة على التعلم الذاتي، فقط تعلم ما تريد الحكومة تعليمه، عبر مدارسها ومؤسساتها او تلك التي توافق عليها.

حسنًا، ما هو الحل في سورية ما بعد الأسد ؟
لا يفكّرن أحد في إصلاح النظام التعليمي في سوريا فقط(رغم ان هذا شيء لا بد منه)، لكن هذا ليس حلًا حقيقًا، الحل الحقيقي هو في الحرية!
الحل في ان نمتلك حريتنا في بناء مؤسسات المجتمع المدني، ومن بينها** المدارس الأهلية**، التي يضع اسسها الناس، ويديرها الناس، ويضع مناهجها الناس، ولا دخل للنظام السياسي بها، إلا في خطوط عريضة جدًا.
هذا ما يجب ان نسعى له بعد الثورة، وليقوم كلٌّ ببناء مدارسه، الاسلاميون والعلمانيون وكل من يريد، وليختار الناس ما يريدونه لأبنائهم.
هذا هو الحل الحقيقي، ان يعود للمجتمع المدني قيمته الحقيقة في بناء المؤسسات كافة وفق مايريد.

*نشرت كمساهمة في جريدة عنب بلدي


comments powered by Disqus