قالت له الرصاصة.. إلى روح الشهيد طاهر السباعي

2011-11-06

أناشيد الحرية تتراقص على شفتيه.. يرفع يده اليمنى ويخفضها كل لحظة.. يهتف .. وينادي .. ويقفز ويعلو ويغني .. للحرية .. للكرامة المفقودة .. ها هو يستعيدها .. ها هي تغلي في دمائه وتصدح حنجرته بكلمات الحق .. وانتشرت في الجو رائحة الورود .. وتدفقت في الشوارع أنهار من الجنة .. نشوة غريبة تداعب قلبه الطاهر .. طاهر فَرِح .. فَرِح جداً في ذاك اليوم .. ملأ الدنيا غناءً وصراخاً وكرامة وحقاً وحريةً.. وفجأة! علا هدير الرصاص المحترق يريد ليطفئ صوت الحرية .. علا الرصاص يريد أن يحرق الكرامة في قلوبنا ويرجع الذل إلى أرواحنا .. لكن هيهات هيهات! فقد أعلنها طاهر ظاهرةً قويةً صادحةً كالفجر الأبلج .. ” الموت ولا المذلة!” من أنت أيها القاتل حتى تذل هذا الكريم .. هذا الحر لا يذله أحد فهو لم يركع إلا لله ولن يركعه مجرم مثلك .. أدار ظهره يتلمس مصدر الصوت .. علَّ أحدهم يطلق الرصاص فرحاً بالحرية! واجهت عيناه عينَ البندقية .. نظر إليها بتساؤل مستغرب: ماذا تريدين؟!! ما حاجتك لدمي ؟! ولماذا أنت قادمة إلي؟! ثم تأمل يديه فوجدها خالية إلا من كلمة الحق فأشار إليها بيده.. ماذا تريدين مني؟!! بنظرة ملؤها الطفولة والحنان والبراءة مما أدهش الرصاصة.. وجعلها ترتبك .. إلى أين أنا ذاهبة.. صدر من سأخترق؟!! لا يبدو عليه خائن أو مجرم أو عميل أو محتل !!

  • من أنت ؟!! قالت له الرصاصة.. وبعينين دامعتين مبتهجتين لامعتين أجابها..
  • طاهر الطاهر ..
  • لماذا أنا آتية أقتلك؟!
  • ألم تسألي مطلقك؟!
  • لقد ملؤوني حقداً عليك وأشعلوني بنار الطائفية العمياء وقالوا لي أنك عميل تريد هدم وطنك وخيانة أهلك، لكن ماذا كنت تقول؟ ولماذا أنت أعزل من السلاح؟!
  • كنت أصرخ للحرية والكرامة والعزة.. فأنا مسلم لا أستطيع العيش ذليلاً مقيداً محروماً من قولة الحق.. وأنا لا أحمل السلاح لأن سلاحي هو عقيدتي ورعاية ربي، وكلمتي التي أصدح بها اخترقت قلوب الظلمة فأقضت مضجعهم وأقلقت راحتهم وراحوا يسكتوها بكِ.. بكِ أنت ..
  • ألا تخاف من الموت؟!
  • أبداً
  • ؟!!!!
  • ها أنت آتية لتخلصيني من قذارات الدنيا .. لأرتقِ إلى عند من أشتاق .. فأنا مشتاق لرؤية ربي وصحبة النبيين والصدقين والشهداء ..
  • غريب .. فقد أخبرني أحدهم أن جبهتك لم تعرف السجود!! فهل سيدخلك الله الجنة؟!!
  • لو كانت الجنة بيد من أخبرك هذا لحرمني منها .. جبهتي لم تعرف السجود نعم!! ولكن لغير الله! فأنا أسجد لله في كل لحظة ليس في صلاتي فحسب وليست جبهتي التي سجدت فحسب.. بل قلبي وروحي وكل ذرة من جسدي كانت تسجد لله .. وما تطلعت أن أعيش إلا قرب محمد صلى الله وعليه وسلم.. فهو قدوتي وتعاليمه وسنته أنارت علي أيامي الماضية … (الرصاصة تقترب أكثر فأكثر)..
  • كدت أصل إليك .. ألستَ خائف؟!! ألا يشدك شيء للدنيا؟!
  • لقد عشت فيها أجمل اللحظات .. لحظات الانعتاق من الظلم والكفر والطغيان والصدح بكلمة الحق..

الرصاصة تدور حول نفسها بسرعة شديدة محاولة أن تخفف سرعتها كي لا تصل لكنها تقترب أكثر فأكثر..

يصرخ طاهر: ” الله أكبر حرية .. الله أكبر حرية” .. يملأ صراخه الدنيا.. تتشقق الأرض.. تتصدع الجدران.. يكاد يثقب الآذان علو صوته .. ” لا إله إلا الله .. الله أكبر .. الله أكبر.. علّي مانع الله أكبر” .. نور يشع في السماء.. تفوح روائح ياسمين الشام.. أهازيج .. وزغاريد .. كل الأشياء تزغرد.. الليل يزغرد .. ” حرية.. حرية.. الله أكبر.. حرية” تتغلغل الرصاصة في صدره.. الدماء تتناثر على الجدران.. طاهر يبتسم.. عيناه تشخصان إلى السماء.. الدماء تسطر على الجدران: ” الله أكبر حرية.. الله أكبر حرية” يسقط جسد طاهر على الأرض.. وترقى روحه الطيبة.. ترقى.. تنير دروب المظلومين.. ويبتسم طاهر.. طاهر الطاهر.. ” الله أكبر حرية.. الله أكبر حرية.. ”

بقلم أحد الأصدقاء، أسمى نفسه .. حمصي مغترب في بلده


comments powered by Disqus