دعه يكون رمضانك الأول ..

2009-08-22

من كتيب “الذين لم يولدوا بعد” للدكتور أحمد خيري العمري:

من بعيد يأتي ليزورنا، وكل آتٍ قريب. يقطع المسافات الشاسعة .. ننتظره أحياناً بلهفة وأحياناً نفاجأ به في غمرة انشغالنا. مرة نفرح به ونستعد لزيارته لنا، ومرة نضيق ونتبرم ونتمنى لو أخرها يوماً واحداً. إنه هناك، لعله اﻵن في الشارع المجاور، أو البيت المجاور. لعله اﻵن قد هبط من السيارة محملاً بحقائبه ..من بعيد يأتي إلينا، وكل آتٍ قريب ..
رمضان على الأبواب، يكاد يطريقها. فلا تفتح له ..

ليس خطئاً مطبعياً ..
أقول لك : هذه المرة لا تفتح له ..
نعم. هذه المرة عندما يأتي رمضان. لاتفتح له أبوابك، أوصدها جيداً. ارفع مستوى تحصيناتك. زد من الأقفال والمتاريس. اقطع التيار الكهربائي عن جرس الباب، حتى لا تشعر بتأنيب الضمير، ولاتفتح له ..
أقول لك : لا داعي، لا تفتح له ..
صدّق ما أقول : لا تفتح له ..

إذا كنت ستفعل به ما فعلته في المرة السابقة، لا تفتح له ..
إذا كان سيمر على حياتك كما مر في السنوات السابقة فلا تفتح له .. لا داعي لذلك
إذا كان سيكون مجرد رمضان آخر، مجرد ضيف آخر يزورك كل سنة مرة، ويمكث شهراً ثم يمضي دون ان يترك أثراً فلا تفتح له، شهرٌ آخر تجوع وتعطش فيه قليلاً ثم تتخم فيه بطنك كثيرا، شهر آخر تستقبله وأنت تشترط عليه ألا يشترط عليك .. شهر قمري كهذا .. لا تفتح له

ولأن القضية خاسرة. إذا انه سيتسلل في كل الأحوال من الثقوب والمسامات، افتح له ولكن ليس بالضرورة الأبواب ذاتها .. افتح له فتحاً مختلفاً هذه المرة، وليكن فتحاً مبيناً ..
ففي كل مرة يستعد الناس لاستقباله يفكرون أول مايفكرون في بطونهم وموائد الطعام والاستعداد الأول يكون التسوق لاحتياجات المطبخ .. فيفتح له الناس جيوبهم وبطونهم، الناس لم تعد تجوع في رمضان إنهم يمتنعون عن الطعام لفترة، في عملية تكاد تكون أشبه بتحفيز واستثارة لهم لهجوم كاسح لاحق على الطعام .. الناس تفتح لرمضان أيضا عيونها، أنسيت أنه موسم الهجرة إلى التلفاز ..

كما ترى الناس يفتحون لرمضان فتوحات مختلفة، لكني أتحدث عن فتح آخر، عن فتح مبين.
افتح لرمضان قلبك، دعه يدخل. رغم أنك تصوم منذ قرون، دعه يكون رمضانك الأول.

كثيرون – كما نعرف جميعاً ونلاحظ – من اهل الكبائر والمعاصي، حتى أشدها وأعظمها يصومون في رمضان، وربما معظمهم يصلون أيضاً، ثم إنهم كأمر واقع يمتنعون عن معاصيهم وكبائرهم تلك، طوال هذا الشهر، المهم هو مايلي ذلك، بعدما ينقضي الشهر، وربما في ليلة العيد .. هل سيعود هؤلاء إلى حياتهم الماضية ومعاصيهم وكبائرهم كما لو أن شيئاً لم يكن؟ إذا حدث ذلك – وكثيراً ما يحدث – فأخشى أن أقرر بأنه لم يكن رمضان إذاُ، لو كان رمضان لما عادوا أدراجهم، لو كان رمضان لقربهم إلى الله خطوة، ولكان له أثره عليهم طيلة العام .. ولكن بعد الصيام والصلاة، لماذا عادوا كما كانوا؟ هل لأن شيطانهم قوي؟ يبدو ذلك، ولكن مع القوة والضعف تكون الأمور نسبية، إما أن الشيطان قوي،أو أن اﻵدمي ضعيف.

رمضان فرصة عظيمة للتذوق، أبواب الجنة التي تفتح، وأبواب جهنم التي تغلق، والشياطين التي تصفد، والحسنات التي تتضاعف بشكل خيالي، كل ذلك لأنه يحبك، ويريدك أن تبادله حباً بحب، ولأنه يعلم أنك تجهل كم هو رائع حبه، وهو العليم بما تعلم وما تجهل، ولأنه يعرف انك حائر لا تعرف شيئاً مسرف على نفسك، ولأنه يعرف أنك تحتاج إلى حبه .. فإنه يقدّم لك رمضان، موسم التنزيلات الهائلة والعظيمة على كافة البضائع وبكافة الانواع، هناك المغفرة وهناك الأجر الهائل، وهناك العتق من النار ولكن لماذا؟

عندما تزور متجراً ما، فيحاول صاحبه أن يغرقك بلطفه ومودته، ويبالغ في إكرامك، فيحسم لك من السعر ويبالغ في ذلك ويهديك قطعة من بضائعه مجاناً ويجلب لك كرسياً لتستريح عليه، وينادي على صبيه ليجلب لك كوباً من الماء البارد ..
عندما يحدث ذلك، فإن هذا السلوك سيجذبك ويغريك، حتى لو كانت دوافعه مكشوفة؛ إنه يريدك أن تتبضع منه باستمرار، يريدك ألا تذهب إلى أحد سواه .. ولا مشكلة في ذلك، مادامت بضاعته جيدة وأسعاره متهاودة ومعاملته لطيفة، لن تذهب إلى أحد سواه، بل ستدل الناس عليه .
ذلك ما يحدث أيضاً. بدون تشبيه طبعاً ..
إنه الطعم، وإنها الصنارة، لكي تعرف الطعم الذي من الممكن أن نتناوله طيلة السنة.
وإذا لم تعلق الصنارة في رمضان، فمتى يا ترى؟

رمضان ليس من أجل رمضان، إنه من اجل بقية السنة

ماهي الأشياء التي يقدمها لنا رمضان؟ ماهو ذلك الطعم؟ غداً إن شاء الله نكمل ..
أو قم بتحميل الكتيب كاملاً من هنا


comments powered by Disqus