اضرب جذورك في الأرض. بدائل محليّة لأكثر الخدمات السحابية شيوعًا

2019-03-31

تحدّثتُ في التدوينة السابقة عن كيف ولماذا وجدتُ نفسي أعتمد على الخدمات السحابية لتنفيذ الحوسبة التي تلزمني. حيث وضعت جميع بياناتي على السحاب، ضمن اشتراكاتٍ مدفوعة لتطبيقاتٍ تعد بتقديم تجربة استخدامٍ مميزة. أتحدث في تدوينة اليوم عن العودة إلى الحوسبة المحلية باستخدام أدوات وتقنيات بسيطة.

*الصورة البارزة من Unsplash. لا ترهن نفسك للسحاب واضرب جذورك في الأرض.

الخطة العامة

بدأتُ رحلة العودة بوضع خطوطٍ عامة تُحدد التقنيات التي سوف أعتمد عليها، والأسلوب الذي سأستخدمها فيه. مستفيدًا كما أسلفت من تجربتي لعشرات التطبيقات والخدمات خلال السنوات الماضية. وخلصتُ إلى اعتماد:

  • ملفات نصيّة صرفة (Text Files) لتخزين البيانات. إذ لم أرى حاجة لتطبيق قواعد بيانات للاستعمال الشخصي. البيانات المتوفرة على شكل نصي قابلة للقراءة والكتابة من قبل مئات التطبيقات، وكانت وستبقى مدعومة من طرف جميع المنصات والأجهزة المعروفة.
  • ترميز أورغ للملفات. إستخدام لغة ترميزية للنصّ الصرف تعطيه إمكانيات مُتقدّمة للتنسيق، مقروئية عاليّة، تمثيل أشكال نصيّة معقدة (كالجداول)، بالإضافة إلى جهوزيته للتصدير إلى أنواع مختلفة من الصيغ، مثل صفحات الويب أو ملفات الـ PDF.

إخترت أورغ (وليس ماركداون مثلًا ) لغناها الترميزي وإمكانياتها العالية كما سيتضّح بعد قليل.

  • مزامنة محليّة للملفات باستخدام Syncthing. وهو تطبيق حرّ ومفتوح المصدر، يتوفر للمنصات الرئيسية، بواجهة بسيطة وسهلة الاستخدام، يُقدم إمكانية المزامنة المحليّة للبيانات والمعلومات التي تُديرها، بمعنى مشاركتها بين الأجهزة المختلفة عبر شبكة داخلية، تغنيك عن رفعها إلى السحاب.

فما يريده الكثيرون في نهاية المطاف هو مزامنة ملفاتهم ومحتوياتها بين عدّة أجهزة. فإذا كان بمقدروهم تحقيق هذا الغرض دون جعل "السحاب" مصدرًا مركزيًا واحدًا للحقيقة، فهذا سيضمن خصوصية عالية، وسيعمل بكفاءة جيدة وتكلفة قليلة.

إدارة الروابط والمفضلة

../images/2019/pinboard.jpg صورة لأحد الحسابات العامة على بِن بورد

أغلقتُ العام الماضي حسابي لدى شبكة Pinboard بعد ثلاثة أعوامٍ على إنشائه. تُتيح الأداة لمستخدميها إمكانية حفظ الروابط والوصول إليها لاحقًا بغض النظر عن المتصفح أو الجهاز الذي تستخدمه.

لنفرض أنك تستعمل كلًا من فيرفكس وكروم على حاسوبك، ومتصفحًا آخر على هاتفك الأندرويد؛ في هذه الحالة يُمثّل بِن بورد مصدرًا مركزيًا لتخزين ما يعجبك على الشبكة. أما لو اعتمدتَ على خاصيّة "المُفضّلة" ضمن المتصفح؛ فستتوزع قائمة الروابط ضمن أماكن متفرقة؛ الأمر الذي يخلق فوضىً وتشتت أنت بغنىً عنه.

يُمكن للأداة أيضًا جلب مُفضّلتك على تويتر وإضافة روابطها إلى حسابك، كل هذا بمبلغٍ "زهيد" يبلغ 11$ سنويًا، ولو دفعت أكثر (25$) فستحصل على ميزة جلب وحفظ محتوى هذه الروابط.

في العام الأول كنتُ قد اشتركتُ بالخطة الأرشيفية، لأكتشف لاحقًا أنني لا أخزّن سوى روابط لمواقعٍ أو أدوات، ما يعني أن تخزين نسخة عن الصفحة الرئيسية لن يفيدني شيئًا في حال توقف الموقع نفسه عن العمل. وهكذا تابعت مع الخطّة العادية بعد ذلك.

نقطة التحوّل حدثت عند تأملي مرّة في فكرة أنني اشتريتُ حلًا لمُشكلة لم تكن موجودةً عندي. فكرة حفظ الروابط من أي مكان والوصول إليها من أي مكان آخر تبدو رائعة، جذابة، وعملية. ولكني ببساطة أستخدم فيرفكس فقط على كلٍ من حاسبي وهاتفي، ما يعني أن مُفضّلة المتصفح حاضرة معي باستمرار. وعندما أفتح متصفحًا آخر، فدائمًا ما يكون ذلك لغرضٍ مُحدّد لا يهمني معه لا المفضّلة ولا أي شيءٍ آخر.

رغم ذلك، استفدت من الفكرة التي تُقدّمها الشبكة، وأسلوبها في تنظيم المواد. وهكذا طوّرت نظامًا شخصيًا كالتالي:

  • أستخدم مُفضّلة فيرفكس لحفظ جميع المواقع التي أزورها يوميًا (أو مرّة على الأقل شهريًا).
  • بينما أجمع روابط الأدوات والمواقع التي أظن أنها قد تلزمني لاحقًا، في ملفٍ منفصل.

كيف؟

باستخدام إضافة تُدعى Org Capture أستطيع الضغط على Ctrl + Shift + L في أي صفحة أرغب بحفظ رابطها، ما يستدعي مربع حوارٍ منبثق في مُحرر إيماكس يعطيني إمكانية إضافة أوسمة أو ملاحظات حول هذا الرابط، ثم بالضغط على Ctrl + C مرتين تُخزّن المعلومات إلى ملفٍ نصيّ.

بعد ذلك؛ تُولّد تلقائيًا صفحة HTML عن هذا الملف، وتُزامن النسختين إلى جميع أجهزتي الأخرى محليًا عبر Syncthing.

الآن عندما أرغب بالوصول إلى رابطٍ ما، وبدلًا من فتح موقع Pinboard سأفتح صفحة HTML الخاصة بي.

../images/2019/links.jpg هكذا تبدو قائمة الروابط على هاتفي المحمول (إلى اليمين) وحاسبي المكتبي (إلى اليسار)

حرفيًا لم يتغيّر سير العمل Workflow عليّ. بل على العكس؛ ففتح صفحة HTML محليّة أسرع بكثير من الوصول إلى موقع الشركة.

أجل لقد كنتُ أدفع 11$ سنويًا لتخزين 60 كيلوبايت من البيانات في سيرفر يبعد عني مئات الكيلومترات.

أرشفة وإدارة المحتوى

الروابط التي يهمني محتواها نفسه (مقالات، أدلّة، حلول تقنية إلخ) كنتُ أخزنها باستخدام Instapaper فيما مضى (قبل أن أنتقل إلى Wallabag لاحقًا).

الأداة تعمل بمبدأ مُشابه لبن بورد، أعطها الرابط، وستجلب محتواه إلى حسابك. هذا يضمن لك نسخةً أوفلاين من المحتوى الذي قد يُحذف لسببٍ أو لآخر. بالإضافة إلى إمكانية كتابة ملاحظات على المقال نفسه.

في وقتٍ لاحق اشتركت بالخطّة المدفوعة الخاصة بهم (29.99$) فقط للحصول على ميزة البحث في جميع المحتوى المؤرشف، وإضافة ملاحظات دون حدّ.

البديل المحلي

بالاعتماد مُجددًا على مُحرر إيماكس، أستدعي أمرًا يُدعى org-web-tools-read-url-as-org والذي يقوم باستخراج المحتوى المقروء readable لمقالٍ ما، ويُخزّنه كملفٍ نصيّ بصيغة Org، والتي تُحافظ على مُخطط الصفحة (العناوين، التنسيق، الصور، الاقتباسات إلخ)، وتُعطي إمكانية إضافة الأوسمة والتعليقات ضمن المقال.

../images/2019/downloadorg.jpg من خلال أمرٍ واحد حصلت على النسخة المقروءة من هذا المقال

أما إن كنتُ أرغب بحفظ صفحة الـ HTML كما هي، فأستدعي الأمر org-web-tools-archive-attach، والذي يعمل على التقاط وحفظ صفحة الويب، وإرفاقها مع النسخة النصيّة السابقة.

الآن للعثور على مقال ما باستخدام جزءٍ من الاسم، المحتوى، أو الأوسمة أستعمل مدير الملفات الذي أرغب به، وعلى المنصة التي أريد، فكل ما أملكه هو ملفات نصيّة يمكن لعشرات التطبيقات التعامل معها مباشرةً.

../images/2019/searchorg.jpg كتبت عبارة بحث وحصلت على النتائج من مجلد المقالات لديّ

في المقابل لديّ نسخة ويب من جميع هذا المحتوىّ مولّدة باستخدام Hugo، ومُستضافة على سيرفر راسبيري محلي، ما يعطيني طريقة أخرى للوصول إلى المحتوى بشكل أكثر مقروئية، لا سيما عندما أرغب بتصفحه من هاتفي المحمول.

هل فقدتُ شيئًا؟ أبدًا على الإطلاق. بل على العكس، المحتوى الذي أهتم به موجودُ على جهازٍ محليّ، يُمكن الوصول إليه بسرعة عالية. أيضًا وفّرت عدّة دولارات سنويًا، مقابل اشتراك يُقدم لي حرفيًا الخدمة عينها.

القوائم والمهام

أدير المهام، المواعيد، والملاحظات على شكل مجموعة شجرية من القوائم. هذه فكرّة تعلمتها من تطبيق WorkFlowy وأعجبت بها.

يُمكن أن تحمل العقد الرئيسة تسميات مثل: عمل، تسوّق، مشاريع، كتابة إلخ، وداخل كل واحدة من هذه العقد يتم إدراج المزيد من العقد الثانوية، والتي يتفرع عنها عقدٌ أخرى وهكذا. يمكن للعقدة أن تحمل وسمًا، معلوماتٍ إضافية، أو تاريخ مُحدد للتذكير بها.

لحسن الحظ يدعم أورغ موود الكتابة الهرمية/الشجرية بشكل مباشر، ما يجعله البديل المثالي لتطبيق WorkFlowy. قاعدة البيانات مجددًا هي مجرد ملف نصيّ صرف يُزامن مع هاتفي الأندرويد، حيث أستخدم تطبيق Orgzly لاستعراض محتويات هذا الملف والتعديل عليه بنفس الأسلوب تمامًا.

../images/2019/listorg.jpg أدير المهام والملاحظات على شكل شجرة من القوائم. إلى اليمين تطبيق الأندرويد، وإلى اليسار نفس الشجرة على حاسبي

بدائل أخرى وكتاب مُحتمل

البدائل التي اخترتها للخدمات السحابية ليست الوحيدة بالطبع، هناك امكانيات أخرى عديدة قد يجدها البعض أفضل أو أكثر سهولة. هذه التدوينة كانت فقط استعراضًا لما أستخدمه يوميًا وكيف حافظتْ هذه التقنيات - بل حسّنت - من تجربة استخدامي.

إن كنتَ قد أعجبتَ باستراتيجيتي وترغب بقراءة دليل تعليميّ مفصّل لتطويعها مع احتياجاتك، فأنا أفكّر في إمكانية تأليف كتاب حول ذلك إن توفر بعض الدعم الماديّ للتفرغ لكتابته ونشره تحت رخصة المشاع الإبداعي. إن كنت ترغب بتقديم الدعم راسلني على بريدي الإلكتروني. وإن كنتَ متحمسًا لقراءة هذا الدليل ومشاركته أخبرني بالتعليقات.

*تُنشر هذه التدوينة استكمالا لمشاركتي في مسابقة التدوين التي أطلقها الصديق عبدالله المهيري.


comments powered by Disqus