كيف تقلي بيضة الديك

2020-02-09

بعد تدوينتي الأخيرة التي نعيت فيها الدكتور محمد شحرور أتتني عدّة تعليقات حول ضرورة القراءة لما كتبه من خالف شحرور ونشروا ردودهم حول منهجه وأفكاره. الفكرة بحد ذاتها تبدو منطقية وبسيطة، اقرأ من الطرفين كي تستطيع أن تبلور تصورًا أدق عن الشيء الذي بين يديك.

وأذكر أنني اطّلعت على عددٍ من الردود التي كتبت تناقش وتخالف آراء محمد شحرور عندما كنتُ أقرأ له، أي عندما كنتُ مهتمًا بالبحث والتنقيب في هذا المضمار. رغم ذلك لم أجد وقتها ما يقنعني من تلك الردود كما أقنعتني كتابات شحرور آنذاك؛ ليس لمثاليتها، بل لضعف الأولى. فأفكار محمد شحرور بها الجيد وبها الرديء، كحال أفكارنا بني البشر. لكنها لم تحظَ - برأيي - بمناقشة محكمة كما تستحق.

أحد الأصدقاء أشار عليّ في يوم صادف يوم عطلة، بالإطلاع على كتاب "بيضة الديك: نقد لغوي لكتاب الكتاب والقرآن لمحمد شحرور" لمؤلفه يوسف الصيداوي. وبالنظر إلى أنني كنتُ أبحث عن شيء مثير أقضي به بعض الوقت في عطلة نهاية الأسبوع، وأنّي أقدر ترشيحات ذاك الصديق، رحت أطالع صفحاتٍ من الكتاب.

في بيضة الديك، يقول المؤلف، أن كثيرًا من أصدقائه ومعارفه قد ألحوّا عليه بالإطلاع على "الكتاب والقرآن - قراءة معاصرة" كي يشاركهم رأيه؛ أصحيح ما جاء فيه أم باطل؟ فماكان من المؤلف بعد أن قرأ صفحات الكتاب العشرة الأولى إلا أن وجدها مجرد أخطاء وهفوات وتضليلات واحدة تلو الأخرى خلا معلومة واحدة صحيحة وعلى هذا أسمى كتابه بيضة الديك!

وفي الحقيقة قد هالني ما قرأتُه في بيضة الديك ليس من حيث سطحية التفكير والرد فحسب، وإنما من حيث قلّة الأمانة العلمية في النقل والاقتباس. إذ أثبت الصيداوي أنه لا يعرف أو لا يحترف بديهيات البحث العلمي، حيث يقول بحثتُ في القاموس ولم أجد، وفي الحقيقة وُجِد. وأن الشحرور كتم آيات وأمثلة تخالف فكرته وفي الواقع لم تُكتم. وأنه في بعض المسائل النحوية قولٌ واحد لا ثاني له وعند المحص وجدتُ أقوالًا!

المثال الأول:

يقتبس الصيداوي من كلام شحرور الفقرة التالية: "الكتاب من كتب، والكتاب في اللسان العربي تعني جمع أشياء بعضها مع بعض لإخراج معنى مفيد أو لإخراج موضوع ذي معنىً متكامل".

ثم يقول: "لقد بحثنا في الصحاح والبارع والمقاييس و…. فلم نجده فيها [التعريف]، فجاز لنا أن نقول إنه تعريف قد ارتجله المؤلف ارتجالا… والذي يعرفه الناطقون باللسان العربي، أن الكتاب له تعريفاتُ مختلفة، ولكن ليس أحدها أنه جمع أشياء إذ الأشياء، كما تعرف الشعوب والأقوام من كل جنس لا من العرب وحدهم، لا تجمع لإخراج معنى".

للوهلة الأولى فاجأني أن ما أعرف من معنى "كتب" وهو جمع أشياءٌ بعضها إلى بعض ليس من العربية في شيء كما يقول الصيداوي، فرغبت بمراجعة أحد المعاجم التي أحبّ القراءة فيها كثيرًا وهو "مقاييس اللغة" (أحد الكتب التي بحث فيها الصيداوي كما يذكر في الأعلى) لأجد أمامي ما يلي:

"(كتب) الكاف والتاء والباء أصل صحيح واحد يدل على جمع شيء إلى شيء. من ذلك الكتاب والكتابة. يقال: كتبت الكتاب أكتبه كتبا"!

المثال الثاني:

يقتبس الصيداوي من كلام شحرور ما يلي "جاء لفظ الفرقان في ستّة مواضع في الكتاب". ثم يردّ عليه: "والحق أنه جاء في سبعة مواضع في الكتاب لا ستة.. وجاء في الموضع المكتوم منكرًا.. وإنما كتم المؤلف هذا الموضع السابع، لأن إظهاره يهدم ما استقرّ عنده سلفًا.. لماذا كتمت هذه الآية؟".

فاجأني مُجددًا المؤلف هنا، فمحمد شحرور يعتمد على ثقة القارئ به، ويقول جاء لفظ الفرقان في ستّة مواضع، بينما هي في الحقيقة سبعة! فلعله فعلًا أخفى الموضع السابع لأنه يتعارض مع فكرته ويهدمها؟

عدتُ مباشرةً إلى كتاب محمد شحرور فوجدت فيه ما يلي: "جاء لفظ الفرقان في ستة مواضع في الكتاب، وفي هذه المواضع الستة جاء معرفًا بأل التعريف، إضافة إلى مرة وحيدة جاء فيها منونًا وذلك في الآية 29 من سورة الأنفال فأول ما جاء لفظ الفرقان…".

إذًا اللفظ المطلوب هو الفرقان وليس فرقان، والذي جاء فعلًا في ستة مواضع، وشحرور لم يكتم الموضع السابع كما ادعى الصيداوي بل ذكره وعرّج عليه في الشرح في الموضع السابق من الكتاب ثم أيضًا عندما ذكر الفرق بين الفرقان العام والخاص لاحقًا في الكتاب بتوسع أكبر.

تستحق كتابات محمد شحرور مناقشة، نقدًا وبناءًا، أنضج مما وقع بين يدي إلى الآن. أما أسلوب أن الرجل لم يوفق بشيء من الصواب البتّة في كتاباته، فهذا - بوضوح - أضعف من أن يصمد دقائق.

comments powered by Disqus