تشخيصي باضطراب قصور الانتباه وفرط النشاط
2024-05-25
ذكرتُ في التدوينة السابقة عن لجوئي إلى معالج نفسي، طالبًا بعض السلام والسكينة في عقلي، وعن تشخيصي باضطراب القلق العام الذي ما زلتُ في مرحلة التعافي منه. لكن تبين أن الضجيج في عقلي ليس ناتجًا فقط عن القلق. القلق كان كبيرًا، لكن كان هناك مكبرة ساهمت في تكبيره. إنها اضطراب قصور الانتباه وفرط النشاط.
بعد قرابة الشهرين والنصف من الجلسات الأسبوعية مع المعالج، كنتُ قد تبادلت معه عددًا من المواقف التي تتكرر معي باستمرار أو الأنماط التي أشعر أنها تشكّل لي تحدٍّ:
- عقلي يعمل باستمرار ودون توقف .يقفز من فكرة لأخرى دون وجود رابطٍ واضحٍ بينهما. مثلًا أتذكر أنني لم أشتر القرفة بينما أدرس الخوارزميات.
- أنسى الكثير من الأشياء. ورغم أننا جميعنا ننسى ونشكوا من مشاكل الذاكرة، لكن مشكلتي مع النسيان أكثر من المتوسط. في موقفٍ ذكرته للمعالج، أرسل لي أهلي صورة سجادة، فباركتُ لهم بشرائها، لتخبرني أختي بأن الصورة هي لسجادة غرفتي التي عشتُ فيها 25 عامًا، هم فقط نقلوها لغرفةٍ أخرى. سجلتُ وقتها في دفتر مذكراتي، أنه رغم معرفتهم بضعف ذاكرتي لكن عندما كنتُ أتحدث وأمي عن الموقف، أبدت هي استغرابها الحقيقي بأنني لم أعرف سجادة غرفتي التي عشتُ بها لسنوات طويلة. أقول، جميعنا ننسى، ولكن دومًا كنتُ أجد نفسي أنسى أكثر بكثير من المتوسط العام للأشخاص حولي.
- سألني المعالج، هل تنسَ أن تذهب لمواعيدك؟ قلتُ لا أبدًا. سألني وكيف تتذكرها؟ أخبرته أنني أستخدم برنامجًا لإدارة المهام أسجل عليه جميع التفاصيل، بدءًا من مواعيد سقي نباتات المنزل أسبوعيًا، مرورًا بمتى يتوجب عليّ حلاقة شعر رأسي، وانتهاءًا يمواعيد العمل. في الحقيقة، الأشخاص من حولي ينسون المواعيد والاجتماعات أكثر مني، كنتُ أشعر بالتفوق في هذه الناحية. سألني المعالج ولماذا تنظم حياتك بهذا الشكل الدقيق؟ كيف سيكون أسبوعك دون هذا البرنامج. كان هذا السؤال كاشفًا. انتبهت أنه بدون التنبيهات المجدولة سأنسى معظم ما يتوجب عليّ القيام به، سيكون أدائي أقل بكثير من المتوقع، وفي الحقيقة، هذا هو بالضبط ما دفعني إلى تنظيم كل شيء في حياتي ضمن جداول ومنبهات ومهام ذاتية التكرار.
- أجد صعوبةً بالغة في الاستماع إلى الناس لنفس الفترة التي يمكنهم سماعي بها، تحديدًا في المواضيع التي لا أجدها تقع ضمن دائرة اهتمامي. في الحقيقة كانت زوجتي دومًا تسألني، لماذا لا تسمعني، لماذا تريد اسكاتي خلال دقائق من بدء المحادثة بيننا. هذا لا يحصل طوال الوقت، لم أكن أستطيع اكتشاف النمط، لأنه كثيرًا ما نحظى بنقاشات طويلة وعميقة، ولكن في مراتٍ أخرى لا أستطيع السماع. في معظم المرات كنت أقول بأن العمل ومن ثم الدراسة تبقيني في نهاية النهار مع سعة قليلة لمزيد من المدخلات. لكن هذا الشيء لم يكن يتغير في الصيف أو مع إجازات العمل. أخبرتها بأحد المرات بأن هذا هو طبعي، وأن جميع أهلي يعرفون بأن طريف يحب "الجمل القصيرة" و دائمًا ما يردّد "خلونا نهدا شوي". زوجتي كانت تعلم طبعي هذا، فهي من أهدتني لوحة فنية زينتها ببيت الشعر "خير الكلام قليل الحروف كثير القطوف بليغ الأثر"، رغم ذلك كانت تنزعج من تصرفاتي. أحاول إنهاء السيرة، أو أسأل لماذا يتوجب علي معرفة ذلك. كنت أقوم فجأة وأغادر الغرفة بينما هي تتحدث، وأقول لها تابعي تابعي راجع. أشعر بضيق شديد عندما يبدأ المتحدث بالاستفاضة في شرح فكرته، أو إن كانت فكرته معروفة أو تمت مناقشتها من قبل، أو إن لم يكن الحديث يحمل حدث كبير ذو معنى لي شخصيًا. أشعر بضيق عندما أصغي لإبني ذو الأربع سنوات وهو يحاول بناء جملته ببطء أو أثناء محادثة في العمل مع شخص ليست الإنكليزية هي لغته الأم فأشرد ولا أستطيع صيانة انتباهي معه. أشاهد مقطع على اليوتيوب فأظل أقفز في الزمن إلى الأمام عندما يسترسل المتحدث بشرح فكرته باحثًا عن شيء جديد سيقوله. أفعل نفس الشيء مع الأفلام والمسلسلات، إن كان المشهد لا يحمل حدثًا مهما أشعر برغبة كبيرة في القفز عليه إلى الأمام. ومهما كان الفيلم عظيمًا، لا يمكنني أن أشاهد منه أكثر من ساعة. خلال هذه الساعة ستجدني قد غادرت الغرفة عدة مرات على الأقل لأسباب منوعة.
- لدي صعوبة بالغة في التركيز. مالم تكن البيئة هادئة تماما فلا أستطيع التركيز على ما أقوم به. أتشتت بسهولة بالغة. أظل طوال الوقت مستشعرًا لكل الملهيات في البيئة المحيطة. أثناء القراءة أكون واعيًا بكل الأصوات والأحاديث التي تجري حولي. مهما حاولت أن أركز فقط فيما أقوم به فلا يمكنني ذلك.
- والدتي تقول بأن جميع أخطائي في المدرسة كانت قلة انتباه. أدائي في الجامعة كان سيئا، احتجت لسنتين على الأقل لإكمال كل عام دراسي. كنت أشعر بأنه لا أملك المهارات أو الإمكانيات للدراسة والفهم. رغم ذلك تغيّر هذا بشكل جذري عندما درست الفرع الذي أحبه وأجده مثيرًا للاهتمام، علوم الحاسب. فرغم الدراسة إلى جانب العمل تمكنت من التخرج في غضون أربع سنوات بمعدل تراكمي وقدره 3.55 من 4.
- لا أعرف الاسترخاء. يتوجب علي القيام باستمرار لأسباب مختلفة. لا أظل جالسا أو مستلقيًا لأكثر من نصف ساعة أو ساعة بحد أقصى. أتقلب كثيرًا في الفراش قبل أن أنام. أطقطق أصابعي باستمرار. نذهب إلى المطعم فنتناول الطعام ثم نعود مباشرة. لا أستطيع إمضاء أكثر من ساعتين في الخارج مثلا على الشاطئ أو في منتزه، يجب أن يكون بصحبتي كتاب أو أتصفح شيء يثير الاهتمام على هاتفي. أتحدث بسرعة وباسهاب وبطاقة عالية وتفصيل شديد وأخوض في دقائق الأمور التي أهتم بها.
- لدي اندفاع يظهر بأشكال وأوقات مختلفة. أجرح الآخرين دون أن أدرك ذلك، أراجع نفسي ولا أفهم لماذا كانت كلماتي جارحة كما يقولون. ليس لدي قدرة على الصبر، لا أطيق انتظار الآخرين، أو التأخر على المواعيد أو مجيء دوري في السوبرماركت. إذا كنتُ أريدُ شيئًا فيجب أن أحصل عليه الآن وبأسرع شكل ولو كان ذلك يعني أن أدفع المزيد من النقود أو الذهاب إلى مكان بعيد أو تأجيل مهام مستعجلة (اشتريت أول جهاز حاسب في ليلة أحد الامتحانات الجامعية). الآن البعض سيقول بأن ما ذكرته هنا يبدو مألوفًا. وهذا صحيح. جميعنا ننسى ونفقد تركيزنا ونشعر بالملل إلخ. في المقابل الأشخاص الذين لديهم اضطراب قصور الانتباه وفرط النشاط: يواجهون ذلك بوتيرة يومية، يعانون من هذه الأعراض بمختلف البيئات (العمل، المدرسة، البيت إلخ)، يؤدي ذلك كله إلى مشاكل وتحديات في علاقاتهم مع الآخرين و\أو في أدائهم المهني أو الدراسي.
اضطراب قصور الانتباه وفرط النشاط هو خلل في النمو العصبي، يظهر في الطفولة، والأغلب أنه يستمر في فترة البلوغ. هذا يعني بأنه خلافًا لاضطراب القلق العام لا يوجد شيء يدعى التعافي من الاضطراب. لكن التشخيص وفهم لماذا يجري معك هذا كله هو أمر عظيم. هذا الفهم بحد ذاته سيخلق راحة كبيرة وتقبل لنفسك وتقبل الآخرين من حولك لك. وسيساعدك على إدارة الأعراض للتقليل من تأثيرها على علاقاتك أو أدائك.