كي لا نحارب الظل؛ تعقيبًا على مقال آراجيك (أو كيف نكون عرب فيرست كلاس)
2015-04-28
بدعوةٍ من زوجتي قرأت منذ قليل مادة منشورة على موقع أراجيك تحت عنوان؛ في بلاد العـرب: الهمـج يقودون المسيـرة!، بقلم رئيس تحرير الموقع الأستاذ عماد أبو الفتوح، ويتحدث فيها أن مشكلة العالم العربي باختصار تكمن في تبوؤ «الهمج» مواقع القيادة في الميادين الفنية والدينية والثقافية والإعلامية والقتالية، بينما نجد النخب العربية في قاع المجتمعات، لا يكاد يسمع بها أحدٌ البتّة فضلًا عن أن يكون لها دورًا مؤثرًا هنا أو هناك، ثم يضرب أمثلة على النتاج «الهمجي» في هذه الميادين، وتخلص المادة أخيرًا إلى دعوة قرائها ليكونوا من «الفرقة الناجية» من خلال مقاطعة كل الميادين التي يتبوأها أولئك الهمج، ومن ثم البحث عن النتاج الحضاري العلمي و «الارتقاء عن الرعاع الهمج» مهما كانت بيئتك، وإلا فسنكون جميعًا ذاهبين إلى الكلاب.
وكبادرة لأن نكون من عرب الـ «فيرست كلاس» فأودّ أن أعقب على الموضوع بمناقشة الأفكار وطرح تعقيبي الشخصي:
إذا كان لي صياغة جوهر المقال بسطر فسيكون: تكمن المشكلة العربية في وعي الأفراد العرب الذي يجعل من سخائف الأمور أجندةً للفن والدين والإعلام، بينما من يملك أجندة راقية يوجد في القاع.
لا مشكلة لديّ تقريبًا مع طرح يتناول السوء الذي تعاني منه مجمل مجالات الإنتاج الثقافي والاجتماعي العربيّ، لكن ما غاب عن المقال، وما هو مسبب السوء برأي، تبوؤ الهمج الحقيقيين للقيادة السياسية والعسكرية الرسمية، أي الحكومات والجيوش العربية الرسمية.
المشكلة الرئيسة في العالم العربي اليوم هي مشكلة استبداد سلطة ومنهج حكم أقصى النخب التي تأسّف عليها المقال **ورفع **الهمج للأماكن التي تصدروها لاحقًا.
علينا هنا أن نقرأ التاريخ لا سيما المعاصر بشكل دقيق لنتمكن من تشيخص السرطان الحقيقي، هكذا يمكن أن نرصد كيف عمل آل الأسد – على سبيل المثال – على إقصاء النخب الاجتماعية كافةً، وتعقيم المجتمع عن إنجاب المزيد منها، ومن ثم تفرد «الهمج» بالساحات المختلفة.
بالمثل فمنَ نشر الفكر الجهادي ومشائخ التطرف في الخليج سوى الساسة وغدق الأموال لهم وعليهم؟
لذا فإن نصائح مثل قاومهم وحاربهم واستميت بكل الطرق لرفضهم مما ختم به المقال، لن تحارب سوى الظلال..
بأموال منَ تُفتتح قنوات «الأغاني الشعبية»؟ هل اجتمعت طبقات هذه الشعوب مسلوبة الإرادة مسروقة الحرية لتمويل تصوير تلك الأغاني ومن ثم فتح قنوات لبثها مجانًا كي تلوث آذان الطبقات مرهفة الإحساس؟ ألم تُسرق أموال هذه الشعوب وتنهب وتغتصب من قبل الحكام والملوك العرب وحيتانهم الاقتصاديين ليملئوا بعد ذلك فضائنا الخليجي والمصري والعربي عموما بقنوات رقصني يا جدع
ألم ينظر أحد إلى الرغيف المصري والفقر السوري (قبل الثورة)؟ بأموال خبز الفقراء هؤلاء يتم تمويل تلك القنوات.
الهمج يفتتحون قنوات الفن والإعلام ويديرونها.. لكنّ تحديدهم وتسميتهم وتعريتهم أسهل من التكنية عنهم (يلي عم يمول القنوات الدينة ذاتو فاتح روتانا، وفهمكن كفاية)
هناك ملاحظة أخرى؛ عدد مشاهدات فيدوهات اليوتيوب لا يصب في سياق “قيادة الهمج لبلاد العرب” هو فقط مؤشر يدل على المزاج والاتجاه السائد على الوب العربي، هو العرض ولا علاقة له بالمرض بتاتا مجددًا.
كذلك الأمر فإن ظهور جماعة متطرفة مثل داعش تمارس القتل الهمجي مرتبط بالوضع السياسي، وتشبث بشار الأسد وطغمة سياسية أخرى بمعاندة إرادة الشعوب مهما كلف الأمر.
يمكنني أن أكتب مقالا أتحدث فيه عن ثقافة غربية موجودة، وغير نادرة، تنتمي لها أفلام سينمائية رائجة لكن ساقطة، وكتب من الأكثر مبيعًا لكن الأكثر فراغًا، وأغاني بكلمات قذرة وجماعات دينية متطرفة.. كاردشيان نفسها ظاهرة غربية قبل أن تتناولها الصحف العربية… لا أقصد بهذا تساوي الوضعيين العربي والغربي، لكن أسلوب ضرب مثال لبرهنة كل فكرة غير كاف.
على صعيد آخر، المشكلة الأخرى الأكثر خطورة وعمقا هي أن العالم بأسره (بشقيه الشرقي والغربي) مهدد بانهيار حضاري كامل.. لكن هذه مسألة أخرى لا علاقة لها بنوع الفيلم السينمائي الأكثر رواجا هذه الأيام..
**رحم الله الكواكبي إذ يقول؛ “إن أصل الداء الإستبداد السياسي ودواءه دفعه بالشورى الدستورية” **