كيمياء الصلاة ... حينما تعجز المؤسسة عن فهم المعادلات المعقدة
2009-11-29
كنتُ في الخامسة عشر من عمري حينما بدأت بالصلاة، قبل ذلك كنت أصلي الجمعة فقط، لا أعتقد أن يوماً كذلك يمكن أن ينسى، مدرس مادة التربية الإسلامية آنذاك حدثنا شيئاً ما عن الصلاة، كما قد يحدثك أي شخص عنها، حدثنا عن “الراحة” و “الطمأنينة” و “استمداد القوة” و “التوفيق” لا سيما أننا أمام امتحان الكفاءة الإعدادية ..
عدت من المدرسة وأنا أفكّر بكلامه، لا يمكنني نسيان ذلك المشهد … كنت أبدّل ملابسي في غرفتي التي يملؤها نور الشمس، كان حديثاً ما يدور في داخلي … لا أذكره للأسف … لكن الذي أذكره تماماً أنني حينما قررت أني سأصلي بدءاً من تلك اللحظة، شعرت بنور غريب يدخل إلى جوفي، ويملأني سروراً وسعادة، شعرت حقاً بأني قوي … قوي جداً … سعيد … سعيد جدا … نقي … نقي جداً ….
وبدأت السنوات تمر، وأنا أصلي، سنة،اثنتان، ثلاثة، أربعة … خلالها كثيراً ما تجاذبتني قوى الخير والشر داخل نفسي … أو كثيراً ما تغالبت خواطر الملائكة مع وساوس الشياطين كما ذكر الإمام الغزالي في إحياءه … صلاة الفجر كانت الأصعب … وحيداً كان علي أن أستيقظ … (وأن أحذر من “إزعاج” اﻵخرين) … وكما هو حال هذه الملايين التي تصلي، لم تغير صلاتي من حياتي شيئاً يذكر، نعم مع الوقت صرت أؤدي فرائضي في المسجد (وكان لهذا دوراً جيداً في تحسين بعض الامور على صعيدي الشخصي)، صرت أصلي النوافل، ولربما شيئاً من القيام أو التهجد في بعض الأحيان …. لكن يفترض أن الصلاة التي هي “عماد الدين” تحتوي على “مفعول” أكبر، وتأثير أهم وأعمق …. ولكن للأسف هذا الذي حصل معي …
وبدأت أعيد التفكير مجدداً ، في الصلاة وأهميتها وجدواها، وأثرها في حياتي …
لا أدري لما كان الشك حاضراً في حياتي بقوة … (ساحرص على أن يبقى)
ولأني صاحب تجارب سابقة في التخلي عن كل شيء حينما أشك به وبجدواه وبفاعليته مهما كان (كنت سأتخلى عن الإسلام مقابل إعتناق الوجودية في أحد مراحلي العمرية، حينما شككت بكل شيئ، لكن الله منّ علي وكان شكي طريقي نحو اليقين والإلتزام) بدأت نفسي تحدثني بالتخلي عن الصلاة …
لا لا … أو لأقل أنها قالت لي بأنه لا جدوى حقيقية من أدائها في المسجد، المنزل مكان جيد، وساحصل فيه على قدر أكبر من التركيز والخشوع …
لكني شعرت بأن ذلك ما هو إلا خطوة شيطانية أولى …
في ذات الوقت كنت قد اطلعت على تجارب البعض من ديانات أخرى، وعن أثر الصلاة في حياتهم …
وكنت أستغرب من هؤلاء الكفار والوثنيين الذين يتحدثون عن صلاتهم بكل تلك المعاني ، فيما صلاتي لا ترقى إلى عُشر ما يقولون …
بين مئات الأولوف من الكتب … كان هناك المئات التي تتحدث عن الصلاة، معظمها فقهي، حلال وحرام، ركن وشرط، مستحب ومكروه، تنزيهاً وتحريماً،المسح على الجوارب، القبلة …. كلها أحكام فقهية : افعل ولا تفعل ….
لن تجد سوى بعض الكتابات الصوفية التي تتناول الصلاة من جانب آخر … انها اللذة، والاتصال مع المحبوب، وحلاوة المناجاة … بعض تلك المعاني رائعة تستثير عاطفة القلب … لكنها لن تنعكس على شخصيتك !
وقفت المؤسسة مجدداً عاجزة عن تقديم أي شيء لي، عن تقديم أي إجابة لأسئلتي، عن الأثر والجدوى والفائدة الدنيوية من الصلاة، عن لماذا الوثنيون (ولا أعتقد أنهم يكذبون) يتحدثون عن صلاتهم وكأنها محرك نووي لأنفسهم، وعن أنها (بطريقة او باخرى) “عماد شخصيتهم”، بينما نحن الموحدون لا نشعر أن لصلاتنا معنى وأثر دنيوي … نعم هي فرض، وبطاقة للعبور إلى الجنة (كما أخبرونا)، وغسالة للذنوب، وراحة للقلب وووو …. لكن هذا كله كلام “ما بطعمي خبز” أقصد أن ليس له أي أثر على الصعيد الشخصي لكل واحدٍ منا … المؤسسة (التي لم أكن أعرفها بعد بل كنت أظن أنها هي ذاتها ديني الحقيقي) لطالما جعلت خواطر تجول في ذهني، كانت تلك الخواطر تنتقص من “ديني”، كنت آنذاك أعتبر أنها “وساوس شيطانية” وانها هي ذاتها التي سئل الصحابة عنها فأجابهم صلى الله عليه وسلم (ذاك صريح الإيمان) … لذا طردتها بقوة … ورجعت إلى إعتقادي إلى أنني انتمي لأفضل دين على وجه الأرض … فيما بعد أدركت أنه أفضل دين نعم، لكنها أغبى مؤسسة … وأصبحت قادراً على التمييز بين غبائها وجمودها وبين ديني الحقيقي وقيمه العالية …
نحن ما زلنا نعتبر أن المؤسسة الدينية هي ديننا الحقيقي … هذا الوهم، دفع الكثيرين إلى الإلحاد والتخلي عن دينهم بل وربما إتخاذ موقف معادي هو في الحقيقة ضد الفهم التقليدي للمؤسسة، ولو علم بعض من خدعوا بأن دينهم الحقيقي قد يختلف قليلاً أو كثيراً عن المؤسسة التي ينتقدوها لاتجهوا بنقدهم إلى الفكر التقليدي وليس إلى الدين …
نعود إلى موضوعنا ….
سمعت بأن الدكتور العمري (والذي كنت قد قرأت له كتابه الفردوس) لديه كتاب بعنوان (كيمياء الصلاة) وبأن هذا هو الذي أبحث عنه …
بعد درس الإنكليزي في ذلك اليوم … خرجت مسرعاً قاصداً المكتبة لأقتني “الكيمياء” …
ثم بدأت الحكاية …. مريول أبيض، كمامة، كفان لليدين … وهيا بنا إلى المخبر ….
يقول العمري:
“هذه محاولة (مختلفة) تنطلق من الإيمان بأن “هذا ليس كل شيء” بخصوص الصلاة ..
إنها محاولة لإثبات أن ما هو عماد للدين، يمكن أن يكون عماداً للشخصية .. وللفرد .. وللمجتمع .. وللحضارة ..
إنها محاولة لاسترداد الضوء من قلب العتمة .. ولبعث “الرسالة” في حياة كل منا ..
إنها محاولة، لكي نولد من جديد، إحدى ولاداتنا ..
لكني آمل هذه المرة، أن تكون هي (الولادة الأهم)؛ الولادة التي تحدث فرقاً في حياتنا، أفراداً، ومجتمعاً … أو على الأقل : شيء كهذا”
كثيرون تحدثوا عن الكيمياء … هنا … هنا أيضا …
وسأكتب أنا قصتي معها … رغم أنها مازالت في بدايتها
بينما ألقاكم في تدوينة أخرى … دعونا نفكّر مجدداً …. لماذا نصلي؟