الحس بالمصير الجماعي .. صريع الأنظمة الاستبدادية

2012-06-09

عملت الأنظمة الحاكمة في إطار سعيها لتثبيت حكمها وإدامته إلى قتل أهم صفة يتوجب على الإنسان التحلي بها (الإنسان عمومًا والمثقف خصوصًا)، وأخطر صفة تهدد وجود هذه الأنظمة، ألا وهي حس المسؤولية تجاه الآخرين، فيما يتعلق بقضايا إفقار المجتمع وإغراقه بالفاقة والجهل، وحرمانه الحرية والعدالة والكرامة.

وتعمد الأنظمة في سبيل تحقيق هدفها هذا إلى إلهاء الناس وإشغالهم في كل ما قد يخطر ببالك، بدءًا من لقمة العيش وإنتهاءًا بالعلم والدين!

كان البعض يظن بأن كرة القدم في مجتمعنا وما تلاقيه من إقبال وإهتمام كبيرين، لا تتحمله التحديات التي تواجهنا، هي وسيلة تُلهي بها الدول شعوبها، وتشغلهم بها عن التفكير في قضايا أهم من ذلك. لكن مهلًا .. ألا يحدث هذا أيضًا مع من ينشغل في برامج الفتاوى الفضائية، أو من يغرق أمام قناة ديسكفري العلمية!

ألم تُشغِل الدول شعوبها -من حيث ندري أو لاندري- بكل المعارك الجانبية! على الساحة الدينية هناك فريقا الصوفية والسلفية، وجدالهم العقيم اللامنتهي، وصفات الله هل هي على المجاز أم على الحقيقة، فإذا ماوسّعنا الدائرة قليلًا أخذتنا معارك السنة والشيعة والتكفير والسباب الذي يجذب الجميع، ونسهر الليالي الطوال أمام شيخ يحاجج كتاب الكامل لدى الشيعة، أو سماحة تحاجج كتاب البخاري لدى السنة !

على الصعيد القومي لديك قضية فلسطين والعراق والإمبريالية الأمريكية والهيمنة الغربية، وهذه معارك يمكنك أن تفرغ بها أطنان من الجهود التي تخاف الأنظمة أن تفكر بما يمكن أن تغيره، والمواضيع الأخرى الغامضة، مثل القاعدة وحقيقة أسامة بن لادن، وتفجيرات إيلول في أمريكا، والماسونية والجماعات الخفية… الخ

في باب العلم والدراسة فرضوا على المرء سياسة التخصص الواحد الذي يُحرّم الخروج منه، وأغرقوا الإنسان بكم من المعلومات لا يمكنه أن ينتهي منها أو يفرغ إلا للراحة والاستجمام، تجد بعض الطلبة أذكياء نجباء يصلحون لأن يكونوا علماء، لكنه العلم لأجل العلم وليس من وراء ذلك أي قضية اجتماعية هادفة !.

ولمن يحب الفنون، لديكم المسلسلات والأغاني والمسابقات والأفلام والمهرجانات ومعارض الفنون التشكيلية ..

أي شيء يمكن أن يصبح أداةً لإلهاء الشعوب وتخديرها عن القضايا الحقيقية التي تمسها.. الفقر والفاقة، الجوع والمرض، نهب الثروات، الاستبداد، الحرية، العدالة والكرامة…

إنّ الدين والعلم والثقافة والفن والرياضة ووو، إن لم يكن هدفها الأخير هو الإنسان، وتحقيق أمانه وكرامته وحريته وغناه وحضارته وسعادته .. فما هي إلّا اهتماماتٌ مزيفة، ترمي بها النخبة الحاكمة إلى الجماهير كي ينشغلوا بها ويختلفوا حولها ويصرفوا فيها الأعمار والجهود والطاقات، بينما تنفرد هي في نهب الأرزاق وإفقار الناس والدوس على كرامتهم وإعدام حريتهم وتدمير حضارتهم بإسم الله أو باسم العلمانية لا فرق ..

من أكثر الأشياء التي أخشاها بعد الثورة في دول الربيع العربي، هي حول ماذا ستكون معاركنا القادمة ؟

هل سيتم إفراغ طاقتنا في معركة إدخال مادة دستورية تقول بأن الإسلام هو مصدر التشريع الأساسي (المادة الموجودة أصلًا في دستور اليوم)، بينما يتم في الوقت نفسه تبرئة المجرمين المدانين بقتل المتظاهرين وتنظيف رؤوس الأموال والنجاة من المحاسبة، بل وترشح هذه الفئة إلى الانتخابات الرئاسية!!

هل سوف نشهد معارك فكرية جانبية مع أبناء الوطن.. الاسلاميين مع العلمانيين، أتباع الحزب الفلاني مع أنصار الحزب الفلاني ..

أم أننا سنكون يدًا واحدة لإيصال مرشح الثورة، الذي سيحقق أهداف الثورة، ونحققها معه، في العدل والحرية والمساواة والكرامة.. وندع كل ما وراء ذلك خلفنا ظهريّا .. ؟!!

متفائل جدًا :)

  • كتبت كمشاركة لجريدة عنب بلدي – العدد الثامن عشر

comments powered by Disqus