الرابح يصبح مستعبدًا
2012-04-10
پاولو كويلو، هذا الرائع الذي يكتب دومًا ليتحدث عن المعنى العميق للحياة، ففي رائعته «الخيميائي» كان قد تناول مسألة قلب الإنسان الذي يملي عليه ما يجب ان يقوم به، وما يشعر بالشغف تجاهه وأن ما على الإنسان كي يكون سعيدًا إلا أن يصغي لهذا النداء الجواني، وان يتبعه في حياته.
قصدت المكتبة وأنا أنوي أن أشتري له عملًا آخر، فكانت «رواية الرابح يبقى وحيدًا»، التي تتحدث عن الطبقة الأرفع في المجتمع، رجال الأعمال ممن يمتلكون شركات الإتصال العملاقة، ممثلو هوليود الأكثر بريقًا على الشاشات، منتجو الأفلام وموزعوها، مصممو الموضة الذين تتحول تصاميمهم الى ثياب يرتديها العالم أجمع ..
هذه نماذج من أشخاص نعتبرهم الأكثر نجاحًا في حياتهم، نعم قد لا نفكّر بأن نكون في أماكنهم يومًا من الأيام (لأسباب تتعلق بنظرة منخفضة تجاه إمكانيات المرء، بالإضافة الى الظروف، لا إلى شيء آخر بتاتًا) لكنهم يسكنون مخليتنا دومًا ويعيشون فيها كأيقونات نجاح نستمد منها (وان بشكل غير واعٍ، المعايير، التصرفات، الملابس، الأحلام، التعلق .. )
وهذا كله تم بواسطة الاخطبوط الاعلامي الذي روج لقيم الشهرة والمال والسلطة كمعانٍ قوية لتحقيق الذات وكسب احترام الناس وصناعة النجاح.
تبدو حياة الطبقة الارفع بالنسبة لنا كأعظم ما يمكن ان تصل اليه حياة المرء، وتكشف الرواية عن كل التفاصيل التي نجهلها تمامًا .. والتي قد لا نتخيل وجودها!
‘لكن من الذي يجرؤ على تدمير صناعة مليارات الدولارات ومحورها الاعلانات وبيع الحاجيات التي لا فائدة منها، واختراع اتجاهات جديدة غير ضرورية البتة’ على حسب ما يقولو كويلو.
إنها الحياة الخالية من المعنى تمامًا، هي أقصى ما يمكن للمرء ان يتخيله من استعباد وعذاب، ‘فالناس لا يقنعون أبدا. اذا حصلوا على القليل يطلبون المزيد. واذا حصلوا على الكثير فسيستمرون في طلب المزيد، وما ان يحصلوا على المزيد حتى يتمنوا لو انه في وسعهم السعادة مع القليل، لكنهم يعجزون عن بذل أقل قدر من الجهد في ذلك الاتجاه […] رغم أن جوهر الحياة هو القدرة على الحب’
تحلم النساء دائمًا في أن تكن جميلات وبراقات وساحرات كنساء هوليود (سرًا أو علنًا، وأكثر مما نتخيل) وأن يرتدين هذه الفساتين الخلابة، وأن يضعن ولو قطعة ألماس واحدة من كل هذه اللآلئ التي تتوج بهن نساء هوليود صدورهن وسواعدهن ..
هذا ما نراه، وما هذا الا قمة ظاهرة من جبل عظيم، يغطس في العمق ..
ففي العمق، هناك العقود التي لولا توقيعها ماكان لأحد أن يصل الى ما هو عليه من البريق والجاذبية، العقود التي تحرمك من أي اختيار ترغب به، تحدد لك اسمك الجديد ووزنك المثالي، واين يجب ان تتناول طعامك ومتى (لا يهم ان كنت جائعا ام لا) وتفرض عليك الابتسام في وجه الجميع حتى عندما تريد ان تنفجر بكاءًا، وان تمازح الآخرين وتبدو لبقا ومهذبًا تحت اي ضغوط، وهي التي تحدد لك ماذا تمثل وكيف، وكل تفاصيل حياتك الاخرى وخطوطك العريضة ..
خلف قطعة الألماس هذه هناك عامل منجم قضى حياته في الوحل بحثًا عن ثروة صغيرة له ولعائلته، يبيعها الى أناس غير محددي الهوية يمررونها فورا الى الجيوش غير النظامية في ليبيريا والكونغو وأنغولا، ورغم تبني الامم المتحدة قرارا يحاول تقفي مصدر الماس وييمنع الجوهريين من شراء كل ما يأتي من مناطق الحرب، لكننا نعرف كلنا بأن هذا ما لا يمكن إيقافه ..
الألماسة تخرج من وحل حياة أحدهم وتتضرخ بالدماء حتى تصل الى صدر حسناء هوليود لتعرضها على الشاشات مروجة لقيم الطبقة الأرفع التي لا يجب ان تتوقف مصالحها.
أنا أيضًا ‘عندما كنت فتى كنت أعتقد ان جميع الممثلين لا بد من أنهم يجنون ثروة، لكن هذه الحقيقة كذبة، ربما يوجد عشرة او عشرون نجمًا في العالم يمكنهم الادعاء صدقا انهم يجنون ثروة، والباقون يعيشون على المظاهر، في منزل يستأجره الاستدويو، يرتدون ثيابا وحليا يعيرهم اياها الخياطون والجوهريون، يقودون سيارات بقروض متوسطة الأمد من شركات تريد لأسمائها ان ترتبط بالحياة الراقية’
هل فكرنا يومًا في كل هذه الافلام المذهلة التي نشاهدها على الشاشات، أنها كثيرًا ما تكون أفضل طريقة لغسل أموال الحروب والمخدرات وصفقات السلاح غير الرسمية ..
نعم، نحن نبيّض صفحتهم، وهم يبيضون أذهاننا ..
پاولو كويلو، يكتب ليثقف، الرواية مليئة بالمعلومات، تدور أحداثها في يوم واحد من أيام مهرجان «كان» الذي سيبدو انه عرض لكل شيء، إلا للأفلام. لذلك فهي تبدو متعبة فمداها الزمني قصير، لكنها رائعة وتجعلك تفكر كثيرا في كيف أمكن خداع الملايين حول العالم بتسويق الاستعباد للطبقة الارفع تحت اسم الشهرة والمال والسلطة.
[بالتأكيد أقصد بالربح، الربح حسب المقاييس الغربية]