قصة إنقراض القادة في سوريا
2012-05-24
عادت إذًا مشاكل المجلس الوطني لتبرز إلى الواجهة، رغم عدم غيابها -تقريبًا- وذلك مع استحقاق انتخاب رئيس للمجلس، كما ينص قانونه الداخلي، كل ثلاثة أشهر.
وكان التجديد لغليون لفترة ثالثة رغم الأداء «الصفري» للمجلس هو ما كان ينتظره الثوار ليعلنوا سخطهم العارم من المراهقة السياسية التي تتصف بها المعارضة، وفشلها الذريع في لعب دور قيادي لا تنجح أي ثورة بدونه.
وإذا ما أردتُ تشخيص أكثر مواطن الثورة ضعفًا، فلا أتردد بالقول إنه غياب وجود قيادة سياسية وعسكرية راشدة وحكيمة تكون على مستوى تضحيات الثورة، وتستثمر مكاسبها، وتشتري مصالح الدول، وتفكّ ارتباطات النظام الخارجية والداخلية، وتبني ارتباطات جديدة تخدم الثورة تكون قائمة على أسس السيادة الوطنية والمصالح المتبادلة بين الدول.
وهذا هو ما تعاني منه سوريا عمومًا: غياب القادة، على كل المستويات، في العقود الأخيرة، ودومًا عندما نناقش قضية ونعمم فنحن لا نقصد التعميم الكامل، الذي يعبّر عنه رياضيًا بنسبة 100%، بل المقصود هو الأغلبية كظاهرة تطبع الوجه المجمل لموضوع الدراسة.
فكّروا في الاسماء التالية :
دعاة: عمرو خالد، طارق السويدان، أحمد الشقيري (جنسيات مختلفة)
مفكرين: عبد الوهاب المسيري، فهمي هويدي، حسن البنا، يوسف القرضاوي، سيد قطب، راشد الغنوشي، محمد الشنقيطي
في المجال السياسي والتقني والرياضي والفني.. تعجز سوريا حقًا عن منافسة الكثير من الدول العربية المشهود لرموزها بالانتشار الواسع والأثر الكبير، أضيفوا لذلك أن من عاش خارج سوريا يصعب أن يصنف أنه كان نتاج حالة سورية داخلية (عبد الكريم بكار مثلًا، مفكر إسلامي معروف لكنه يقيم في السعودية منذ 35 عامًا، وقس على ذلك الدكتور لؤي صافي والدكتور وائل مرزا …)
وبالنظر إلى من كانوا يعتبرون رموزًا في سوريا قبل الثورة، ممن تبين لاحقًا أنهم صناعة الأسد، مثل: البوطي وحسون دينيًا، أدونيس ثقافيًا، دريد لحام وعباس النوري فنيًا،
نجد أنه لم يتبق في الساحة الثقافية والفكرية من رموز مهمة يمكن التحدث عنها كما في القائمة السابق ذكرها.. إلّا النزر اليسير ممن أثبت موقفًا وطنيًا وثوريًا جريئًا ..
حتى الانشقاقات السياسية تكاد تنحصر ببعض أعضاء مجلس الشعب، والانشقاقات العسكرية التي نعرف حجمها التراتبي توضح ما نقوله عن غياب القادة ..
العرض السابق يوضح أن سياسة النظام الأسدي في العقود الماضية كانت تهدف إلى تصحير الساحة السورية من أي رمز وطني حقيقي إلا ما يرضى عنه النظام، وطرد العقول النابغة التي يُخشى تطورها لاحقًا ووصولها الى مرحلة الرمز – القدوة
فما الذي تحتاجه سوريا بعد الثورة ؟
• نحتاج أولًا إلى أن يبذل كل منّا جهدًا مضاعفًا في العمل على بنائه الإيماني والفكري والثقافي والعلمي، لأن سوريا المحررة تحتاج إلى أبنائها المتميزين المتألقين القادرين على تقديم النفع العام وتحقيق سدّ ولو بنسبة معينة في الحاجة إلى قدوة أو رمز في المجالات كافة.
• نحتاج إلى الحرص على تربية أبنائنا، تربية سليمة متكاملة تساعدهم على تحقيق الشخصيات التي خلقوا ليكونوها (سياسيًا، عسكريًا، دينيًا، علميًا، فكريًا، صحفيًا، فنيًا، ثقافيًا …)
• قطع الصلات نهائيًا مع كل الرموز السابقة التي أثبتت دناءتها الأخلاقية ووقوفها الى جانب الطاغية.
• إبراز الوجوه الشابّة التي تألق الكثير منها أثناء الثورة، والابتعاد عن منطق تقييم الناس وفق أعمارهم أو شهرتهم (منطق النظام)، بل الكفاءة هي الأصل.
وكلنا يذكر بعضًا من قادة سوريا الفكريين في القرن الماضي، ممن كانت كتبهم أو خطبهم تجمع الجماهير وتحرك القلوب وتنور العقول. وكتب ومذكرات الشيخ علي الطنطاوي تشهد، وخطبه التي جاءت في مرحلة صعبة، هي مرحلة المواجهة مع اسرائيل، كان لها أثرًا كبيرًا في مواجهة الخسائر والرسم لمستقبل قادم.
ومن نسي الدكتور مصطفى السباعي مؤسس كلية الشريعة في دمشق، وأحد مؤسسي حركة الاخوان المسلمين في سوريا، ممن أسهموا في تجديد الحياة الفكرية في البلاد.
والشيخ الدكتور عصام العطار وغيرهم الكثير ..
كانت سوريا تنجب .. لكن الاسد جعلها عاقرًا، وهذا لن يدوم بجهود أبناء الثورة اليوم إن شاء الله
*نشرت في جريدة عنب بلدي | العدد السادس عشر