كيف تربح الناس وتتعامل مع الأشرار؟
2011-05-29
ولجت إلى المكتبة وليس في ذهني عنوان معيّن، أو مؤلف ما .. ولجت وأنا أفتّش عن كتابٍ يبحث عنّي،** أحيانًا أؤمن بأنّ بعض الكتب تبحث عن قارئها**، كما أننا – نحن معشر القراء – نبحث عن بعض الكتب ..
تجولت هنا وهناك، ونقبّت في الزوايا والرفوف .. لا شيء جديد .. إنها العناوين ذاتها ..
إلى أن وقع بصري على اسم المؤلف د.مأمون طربيه، على كتابين، الأول هو الشخص المناسب، والآخر هو قاموس الأقوياء، تصفحت الكتابين، فتعلق قلبي بهما، سألت صاحب المكتبة إذا كان لديه كتبٌ أخرى للمؤلف الذي لم أكن قبل دقائق قد سمعتُ باسمه من قبل، وإذا أنا أرغب بشراء نتاجه المعرفي كاملًا !!
بحثتُ في الشابكة عن اسم المؤلف فلم أجده في ويكيبيديا أو المعرفة، أو أي موسوعة أخرى، فكما يبدو أن المؤلف غير مشهور وكتبه ليست ذائعة الصيت ..
عندما قرأت منذ سنين كتاب ‘كيف تكسب الناس وتؤثّر في الأصدقاء’ للشهير : ديل كارنيجي، أعجبت بأفكاره، وهي تتلائم مع الأخلاق الإسلامية والأعراف رفيعة المستوى .. وقررت بأن هذا الكتاب سيكون دليل سلوكي دائمًا وأبدًا ..
ولكن مع مضي الوقت بدأتُ أدرك بأن الحياة ليست أقارب وأصدقاء ودودين وحسب، وانما فيها أيضًا أعداء يتربصون وأشرار يكيدون ..
وكان المعضلة هي : كيف تتعامل مع اﻵخرين ؟ بالخير والتسامح ؟ أم بالقوة والحذر ؟
ليس الجواب هو الصعب، فبسهولة يمكن القول بأن التعامل مع الأصدقاء والأقارب وكل من يتمنى لنا الخير يجب أن يكون بالخير والحسنى، وأما الفئة الثانية فيجب أن نتحلى بالتعامل معها بالحذر والتربص والقوة والحزم وتفويت الفرص ..
إلا أن الإشكال الحقيقي هو : كيف ؟
كيف تتعامل مع اﻵخرين بالخير – عندما يكونوا أهلًا له ؟ وكيف تتعامل معهم بالقوة عندما تكون القوة هي الشيء الوحيد الذي يفهموه ؟
وهنا يأتي كتابي ديل كارنيجي ومأمون طربيه لتوضيح الكيفية …
الطريقة التي يعرض بها المؤلف كتابه مميزة، فهو قسم الأفكار إلى خمسين فكرة سماها ‘مبادئ’، تمثّل الفكرة بمبدأ من سطرٍ واحد، ثم يبدأ عرضها تحت عنوان ‘المغزى’ حيث يشرح المؤلف مقصده من المبدأ، ويلي ذلك ‘المثال’ وهو قصة واقعية لشخص نجح أو أخفق في تطبيق المبدأ، حيث يفهم المقال من المثال، ثم ‘الملخص’ حيث يعقّب المؤلف على القصة ويذكر أين أجاد وأين فشل بطل القصة في تطبيق المبدأ، ويختم ذلك بـ’المرادف’ وهي أقوال للمشاهير من شتى المجالات تدعم الفكرة وتلخصها … وهكذا مع كل فكرة من الأفكار الخمسين، يتّبع المؤلف النهج ذاته ويختم الكتاب (الذي يقع في 240 صفحة من القطع الصغير) بـ ‘زبدة الموضوع’ ..
الإخراج الفني للكتاب بسيط يلائم ذوقي تمامًا في إخراج الكتب .. والكتاب من طباعة دار المعرفة في لبنان ..
في مقدمة الكتاب يعرض المؤلف الفكرة التي تكمن وراء عمله ‘فلا يمكن أن تكون طيب القلب دون عناد مرن، ولا ساذجًا بعطائك دون معرفة مستغليك! بالطبع هي ليست دعوة لأن تغيّر من قيمك السامية، بقدر ما هي نصيحة لأن تعرف متى تستخدم اللين في موضعه والشدة في موضعها. أي استعمال لأحدهما في مكان اﻵخر مُضرّ‘
دعوني أعرض لكم بعض أفكار الكتاب ..
‘التحفظ’ معنى من المعاني العميقة للسلطة، فكلما قل الكلام تناقص خطر التفوه بشيء يرتد سلبًا عليك، وهكذا في جميع مجالات الحياة فكلما تفوه المرء قليلًا كلما زاد ظهوره بمظهر الشخص الحصيف، وهذا يثير إعجاب الناس، فحتى الأشياء التافهة تبدو ذات معنى إذا ظهرت منهم بشكلٍ غامض ومفتوحة على احتمالات وتأويل.
نادرًا ما يتصرّف الناس بما يحلو لنا إلا إذا أرغموا على ذلك إرغامًا، لأن الضرورة والمصالح هي التي تحكم العالم، ومن لم يعِ قوة المصلحة في تعامله سوف يتم الاستغناء عنه في أول فرصة ولا يعد لوجوده معنى. السلطة الحقة هي القدرة على جعل الناس يعملون كما ترغب دون إرغامهم أو إيذائهم، ولعل أسهل طريقٍ لذلك هو إيجاد علاقة اعتماد، أي في أن تجعل اﻵخرين يعتمدون عليك لدرجة يبدو إبعادك عن الساحة يعني وقوع كارثة، كأن تتمتع بموهبة ما أو مهارة متميزة.
نحن لا نعرف قيمة الشيء إلا حين نفتقده، ولا يمكن تقدير أهمية موجود إلا عن طريق غيابه، فالغياب ينقص العواطف الصغيرة ويلهب العواطف الكبيرة. إن حضور الساحة بشكلٍ مستمر يشعر اﻵخرين بالملل منا، ثم يفقدون احترامهم لنا، وهذا يتطلب منا أن ندرك ‘دبلوماسية الانسحاب المؤقت’، واتقان فن الغياب بالوقت المناسب، إذ كلما زادت مشاهدة الناس لأحدهم وسماعهم له كلما ظهر مبتذلًا أكثر من اللازم.
عندما تلتقي برجلٍ يحمل سيفًا أشهر سيفك، فلا ترتل شعرًا لشخصٍ ليس بشاعر، لأن مرتكز السلطة الحقة هو القدرة على التمييز بين الحملان والذئاب، أما إذا كنت ستتعامل مع الجميع بالود ذاته فإن حياتك ستكون مليئة بالمطبات.
إن الذي يريد أن يرتقي عليه أن يكون مرنًا حين يتطلب الأمر، قادرًا على ان يكون باردًا كالثلج عندما يكون الشخص اﻵخر نارًا مشتعلة، لأن الناس كالسلاحف، لا يمكنك أن تجبرها على فعل شيءٍ بل يمكنك أن تدفعها بقليلٍ من الحنان، فذلك أمضى وقعًا لأن تجعلها تفعل ما تريد بدون تردد.
في اليوم الذي تتكلم فيه بمسؤلية عن نفسك، وفي الوقت الذي تبدأ فيه إيقاف الأعذار عن تقصيرك … سيكون نفسه ذلك اليوم بداية صعودك نحو القمة.
من المستحسن أن تُشعر كل معارفك أحيانًا أنك تستطيع بسهولة أن تستغني عن صحبتهم. إذ عندما نهتم بشخصٍ ما فإننا نصبح وإياه شريكين يتحرّك كل منا على إيقاع يتماشى مع أفعال اﻵخر، حتى يفقد أحدنا زمام المبادرة بداعي الود .. بينما إذا تجاهلت الأصحاب في بعض المواقف إلى درجة إلغائهم من حساباتك، فهذا أسلوب قوي للسيطرة ..
الهدية القيمة أن تجذب الرجال كما يجذب المغناطيس الحديد، لذا كن مرنًا مع ثروتك بأن تشغلها لا لشراء الأشياء بل لكسب قلوب الناس.
عامل البعض كما يعاملوك، وبفعل الشبيه، تجعل اﻵخر يدرك تصرفه، وكيف كانت أعماله خاصة عندما تكون مزعجة وكريهة .. أن تعكس للآخرين صورة سلوكهم، ذلك يعني تركهم أمام خيارين : إما أن يتجاهلوك، وإما أن يبدأوا التفكير بأنفسهم.
الحب ليس شيئًا مثل الجواهر، يمكن أن يضعها الإنسان في صندوق ويتركه ليعود إليه بعد سنين فيجد الجواهر كما تركها دائمة التألق، بل الحب سيرورة الحياة؛ ما لم يتجدد من خلال التفاعل فإنه يذوي ويذبل ويتجمد ..
ظهور المرء أفضل من اﻵخرين على الدوام خطر بحد ذاته، ولكن الأخطر منه هو ظهور المرء بلا عيب أو ضعف، لأن من شأن ذلك أن يوجد أعداءًا صامتين (حسادًا)؛ لهذا فمن الحكمة أن يكشف المرء عن نواقصه بين الحين واﻵخر ..
إن كنت ممن يغلب عنده اللين على الحزم في تعامله مع الجميع، فلا تتردد في شراء هذا الكتاب ..
دمتم بود ..