كيف تعاملتُ مع اضطراب القلق المُعمم
2024-05-18
في نهاية العام الماضي لجأت إلى معالج نفسي مدفوعًا في المقام الأول بحقي في جلسات علاج مدفوعة من العمل. هذا لا يعني أنه لم يكن على قائمتي عدد من المشاكل والاستفسارات التي رغبت لفترة بالعمل عليها، دون أن أقدم على ذلك بشكلٍ جديّ. سألني المعالج عن السبب الذي دفعني لطلب العلاج فأخبرته أنني أريد بعض السلام والسكينة في بالي، وأن لدي الكثير من الحديث الذاتي السلبي وأن عقلي لا يتوقف عن التفكير طوال الوقت.
وبعد بضعة جلسات أخبرني المعالج بأن ما أعاني منه يُدعى باضطراب القلق المُعمم GAD. القلق هو شعور طبيعي في المواقف والتحديات التي نمرّ بها جميعًا. لكن يصبح الأمر غير طبيعي عندما يعاني المرئ من قلق مستمر متعلق بمختلف المواقف التي لا يفترض أن تستدعي القلق. بالنسبة لي، كان لدي جانب يدعو للقلق في العديد من جوانب الحياة اليومية. مايو كلينك تسرد عددًا من الأعراض، مثل التفكير الزائد في وضع الخطط والحلول لكل ما يمكن توقعه من مشاكل. اعتبار العديد من الحالات بمثابة تهديد رغم أنها في الواقع غير كذلك. عدم القدرة على الاسترخاء أو التوقف عن القلق. القلق غير المتناسب مع شدّة الموقف.
عملتُ مع المعالج لعدّة أشهر على فهم لماذا وكيف تطوّر لديّ اضطراب القلق المُعمم والذي كان مصاحبًا لي لفترة تقارب العامين. بعض الأسباب عائلية، بعضها متعلق بالحرب، هناك أيضًا الإجهاد المتراكم نتيجة العمل والدراسة معًا بدوام كامل، الغربة في تركيا وخسارة المحيط الاجتماعي من أهل وأصدقاء. الأسباب وتفاصيلها لن تفيد القارئ كثيرًا، ما يفيده أنه يمكن إدراج الأسباب ضمن نطاق التغييرات الكبرى، التجارب السلبية والإجهاد المتراكم.
العلاج يعتمد على الأسباب الشخصية التي أدت بالفرد في نهاية المطاف إلى اضطراب القلق المُعمم. فهم كيف أدى بك الأمر إلى القلق هو شيء بحد ذاته يملك طاقة تساعدك على الانفصال عن المشكلة، رؤيتها من الخارج بعيون جديدة، الانتباه لها عندما تظهر إلى السطح، ومراقبتها، وهذا ما يضعف سلطانها عليك.
إلى جانب ذلك ساعدتني ممارسة التأمل اليقظ بشكلٍ كبير في أن أصبح واعيًا للقلق في حياتي، وجوده وتوقيته. أمارس التأمل بشكل متقطع منذ سنوات طويلة جدًا، وكنتُ دائمًا أشعر بالسكينة والهدوء التي يضيفها لحياتي. علميًا، تثبت الدراسات السريرية (راجع المصدر الأخير) فوائد التأمل فيما يتعلق بالتعامل مع الإجهاد، القلق، الاكتئاب وغيرها من مشاكل الصحة العقلية. لكن المواظبة على ممارسة التأمل بشكل يومي لأشهر عديدة أحدث فارقًا كبيرًا في تحسين مزاجي الداخلي، والحصول على السكينة والهدوء في داخلي اللتان كنتُ أبحث عنهما. عبارة "لا تهتم بصغائر الأمور" هي مجرد كلمات ليس من المتوقع أن تحدث أثرا كبيرا أو تدفعك إلى تغيير سلوكك. لكن ممارسة التأمل تخلق في داخلك مساحة نفسية تسمح لك بأخذ الأمور بروية أكثر وتعطيك مرونة لتقبل الأحداث والأشياء كما هي و كما تجري دون رغبة شديدة للتحكم بها.
الأمر الثالث الذي أود ذكره من خطة العلاج هو التعامل المنهجي المنضبط مع مشاكل الحياة. فبينما يسمح لك التأمل في رؤية الأمور أقرب لحجمها الواقعي وأخذها بروية، فلا يزال لديك العديد من الملفات التي ينبغي التعامل معها بجديّة من خلال رسم الخطط وبذل الجهد المدروس لتحقيق ما تريد. الحل المقترح هو وضع وقت مخصص يوميًا للقلق أو المشاكل. في هذا الوقت تجلس أنت والأفكار التي تشغل بالك، وتقوم بتحليلها بشكلٍ عقلاني، وتضع الخطط التي ستمكنك من حلها وتتابع مسارك بها. الوقت المخصص لا ينبغي أن يتجاوز الثلاثين دقيقة يوميًا (أو هذا هو رأي المعالج). الأهم، عندما يخطر في بالك ما يدعو للقلق، فقط كم بتسجيله على دفتر صغير، لتتم معالجته في جلسة القلق التالية، خذ نفسًا عميقًا ثم اصرف انتباهك إلى شيء آخر. من غير المسموح التفكير في المشاكل خارج هذا الوقت (وهكذا تتم السيطرة على حالة القلق المُعممة، التي تظهر في معظم الأوقات). وفي الحقيقة، فإن النقطة الأخيرة هي أكثر ما كنتُ أفتقده. فبينما أتمتع بمهارة جيدة بالتحليل والتخطيط لمقاربة مختلف التحديات، إلا أنني لم أكن أعرف متى يجب علي التوقف عن ذلك وكنت أظل طوال الوقت بشكل واع أو غير واع منشغل بتلك المخططات.
تقول مقالة مايو كلينك المشار إليها في بداية التدوينة أنه "غالبًا ما يحدث اضطراب القلق المعمم إلى جانب مشاكل صحية عقلية أخرى يمكن أن تزيد من صعوبة التشخيص والعلاج"، وهذا ما سأتابع به في التدوينة القادمة.