التبادل الثقافي عبر زيادة السعرات الحرارية، مراجعتي لكتاب مدام إيزوغلين

2022-01-30

قبل خروجي من سوريا، ورغم اهتمامي بالقراءة والمطالعة إلا أن مفهوم "الثقافة" كان أحد المفاهيم المجردة، العائمة في بحر لا وجود له إلا في صالونات ثقافية وكتب فلسفية. كانوا يقولون أن الثقافة هي مصطلح شامل لعادات المجتمع، تقاليده، أعرافه، رموزه، موسيقاه، طعامه إلخ ، لكن هذا كان يبدو لي أنه تعريف للحياة نفسها وليس لشيء آخر يُدعى الثقافة. هذا الانطباع هو أحد تجليات العزلة التي كنا نعيشها، والتي هي سياسة دولة بالمناسبة.

مع انتقالي للعيش في تركيا، وكذلك نتيجة لاحتكاكات العمل بدأتُ بالتعرف على الآخر، والذي ساهم بشكل كبير بالتعرف على الذات، كما يقول المتني؛ وبضدها تتبين الأشياء. مع المشاهدات المتكررة يبدأ العقل ببناء أنماط لفهم هذا الآخر، وتتبلور أثناء هذه العملية الأنماط الخاصة بالذات أيضًا، فدون وجود الآخر وثقافته كان يصعب فهم وتمييز الذات وثقافتها.

هذه العملية من المشاهدة وبناء الأنماط، ممتعة أحيانًا، محرجة أحيانًا أخرى؛ مكلفة تارةً ومتعبة في بعض الوقت، لكنها محصلتها هي إثراء حياتك وتجربتك كإنسان على هذه الأرض.

مدام إيزوغلين هو تجارب الكاتبة في تبادل الأطباق بينها وبين جاراتها التركيات، وما أثاره ذلك من تعرف وتعريف على ثقافتين، رغم تجاورهما وتقاربهما، مختلفتين.

ستقرأ كيف أن تقديم طبق، تعودتَ على تناوله لسنين بشكلٍ روتيني، لشخصٍ من ثقافة مختلفة سيدفعك لأن تبحث عن أصله وفصله. قد يحدث هذا عندما تجد أن الآخر لم يستطع تهجئة اسم الطبق معك، فتبدأ بالتساؤل لماذا نسميه "حراق اصبعو".

وفي المقابل قد يُهدى لك طبق آخر، تبحث عن معنى اسمه في محاولة لأن يعلق في ذاكرتك، فتجده يعني "العقيم" فيثار فضولك، لماذا لأكلة شعبية أن تدعى كذلك.

توالي تبادل الأطباق سيجعلك، والآخر، متورطان أكثر فأكثر بهذه اللعبة وهذا بدوره سيبني جسورا من العلاقة ويسمح بالتعرف على الآخر بأسلوب ودود مليء بالسعرات الحرارية، وهذا ما يحاول الكتاب إيصاله.

ورغم أن الكتاب يؤكد أنه لا يهدف إلى توثيق أصول الأطباق ومعاني أسمائها، إلا أنك ستكتشف أثناء القراءة جانبًا مهمًا للثقافة، فنحن لسنا فقط كائنات مستهلكة للإرث الثقافي، بل منتجة ومعدلة له. التفاصيل في الفصل الخاص بطبق التبولة!

موقع الكتاب.

إخلاء مسؤولية: أنا زوج الكاتبة!


comments powered by Disqus