الغائب في تحليلات أحداث الاعتداء على السوريين في تركيا

2024-08-09

شهدت مدينة قيصري التركية في 30 حزيران الماضي موجة من الاعتداءات على محال وممتلكات لسوريين، طالت أكثر من 400 منزل وسيارة ومكان عمل. لم تكن أحداث قيصري هي الأولى من نوعها، حيث شهدت مدنٌ تركية أخرى منها أضنة وإزمير وأنقرة حوادث مشابهة خلال السنوات الماضية. وليست حوادث الإعتداء هي المشكلة الوحيدة التي يواجهها السوريون في تركيا، حيث "وجدت أبحاث هيومن رايتس ووتش أنّ القوّات التركيّة تعمد، منذ 2017 على الأقل، إلى اعتقال آلاف اللاجئين السوريين واحتجازهم وترحيلهم بإجراءات موجزة، وغالبا ما تجبرهم على التوقيع على استمارات "العودة الطوعيّة" والعبور نحو الشمال السوري". ففي شهر نيسان الفائت وحده أفادت المعابر في مناطق المعارضة عن ترحيل 16 ألف سوري. وإلى جانب الاعتداءات المتكررة والترحيل تبرز مؤخرًا مخاوف متعلقة بسهولة سحب الجنسية التركية المكتسبة، التي تقول تقارير إعلامية أنها سحبت من خمسة آلاف مجنس خلال الفترة الماضية، وكانت آخر حالة قرأتُ عنها هي ما حصل مع الناشط الحقوقي طه الغازي.

العديد من التعليقات والتحليلات عن الأحداث الأخيرة حاولت تفسير "سبب العنصرية" المتنامية في المجتمع التركي واعتبار الأتراك مجتمعًا منطويًا على نفسه. تحليلات أخرى تحدثت عن تردي الأوضاع الإقتصادية وتصوير السوريين كعلاقة للمشاكل الاقتصادية في الخطاب الإعلامي الشعبوي الذي لاقى قبولًا واسعًا. هناك تحليلات أخرى تشير إلى أن الحكومة التركية ترى في وجود اللاجئين مشكلة بات ينبغي حلها، والحل الوحيد الممكن على ما يبدو هو الضغط على المجتمعات السورية في تركيا لترحيلها، الأمر الذي يحصل كذلك مع السوريين في مصر وغيرها من الدول في الآونة الأخيرة.

تحمل التعليقات السابقة مقدارًا متفاوتا من الدقة في رأيي. فالإنغلاق، وتردي الأوضاع الإقتصادي، والسياسة التركية المتعمدة في عدم دمج السوريين في المجتمع التركي والخطاب الشعبوي من قبل كافة الأطراف السياسية، تساهم جميعها في خلق ضغط وتوتر ينفجر بأشكال شتى بين حينٍ وآخر. لكن في المقابل يغيب عن هذه التحليلات أمر آخر مهم وهو ضعف سيادة القانون. فتبعًا لمؤشر WJP تحتل تركيا المرتبة 117 من 142 عالميًا على مؤشر سيادة القانون، مسجلةً تراجعًا مستمرًا في ترتيبها منذ عام 2015. يعتمد المؤشر على مجموعة من العوامل منها مدى إلتزام السلطات الحكومية بالقانون، غياب الفساد، توافر المعلومات، احترام حقوق الإنسان الأساسية (والذي تحتل تركيا عليه المرتبة 133 من 142)، الأمن، مدى إنفاذ اللوائح القانونية، العدالة المدنية ( قدرة الناس على حل مظالمهم من خلال نظام العدالة، ترتيب تركيا 119 من 142)، وأخيرًا العدالة الجنائية (ترتيب تركيا 107 عالميًا).

هذه المؤشرات لا تجيب عن سؤال لماذا، ولكنها تقدم صورة أشمل وأكثر موضوعية عن النظام السياسي في تركيا. ما أحاول قوله هنا، أن مشاكل السوريين في تركيا هي جزء من المشاكل الناتجة عن الضعف الشديد في سيادة القانون والتي يعاني منها المواطن التركي أولًا، ويعاني منها السوري بشكل أكبر نتيجةً لهشاشة وضعه القانوني. أحد الأمثلة البارزة هو ما جرى أثناء حالة الطوارئ التي تم فرضها عقب محاولة الإنقلاب الفاشلة في 2019، حيث تحدثت تقارير الأمم المتحدة عن اعتقال واحتجاز مئات الآلاف من الأشخاص، إدانة أكثر من 117 ألف شخص بموجب قانون مكافحة الإرهاب، إقالة أكثر من 130 ألف موظف عام وتدابير أخرى عديدة.

من خلال رؤية هذا الواقع الواسع لا يصح الإرتكاز على "العنصرية" أو "إنغلاق المجتمع" كأسباب جوهرية للمشاكل التي يعاني منها السوريون في تركيا، بل المشكلة عامة تتعلق بضعف سيادة القانون هناك.


comments powered by Disqus