هل ما جرى في تركيا مسرحيّة مُدبّرة؟
2016-07-19
كنتُ مُتحمسًا منذ أيام لكتابة موضوع أردُّ فيه على فكرة أنّ مُحاولة الإنقلاب العسكري التي حصلت في تركيا مساء الجمعة 15 تموز الجاري تدبير اتخذه حزب العدالة والتنمية لتصفية حساباته وتعزيز سلطته في البلاد، أقول كنتُ متحمسًا؛ لكثر ما صادفت هذه الفكرة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي ومنصّات النقاش، لكن ومع مرور الأيام لم أعد أدري إن كان ثمّة داعٍ حقًا لتوضيح مدى جديّة ما حصل، لذا قررت أخيرًا أن أعيد صياغة ردودي نفسها المكتوبة هنا وهناك مع بعض التحرير.
رغم التصريحات الأولية بأنّ الإنقلاب حركة صغيرة لم تُشارك به سوى شرذمة محدودة من الضباط الصغار والمجندين؛ إلا أنّ هذا الكلام كان للتطمين لا أكثر. فالأيام الماضية كشفت أن قائدي الجيش الثاني والثالث في تركيا متورطين بمحاولة الإنقلاب (القوات المسلحة التركية مُوزّعة على ثلاثة جيوش) بالإضافة إلى قائد القوات الجوية السابق ومستشار رئيس الأركان وآلاف الضباط الآخرين، بل تُشير التقديرات الإعلامية وشبه الرسمية الآن إلى تورط قرابة 30% من الجيش في هذه المحاولة.
Turkey’s coup may have failed – but history shows that it won’t be long before another one succeeds https://t.co/iH9sxRhiVe
— The Independent (@Independent) July 17, 2016
صحف غربية عدّة تناولت الانقلاب كنتيجة متوقعة لتصرفات إردوغان كـ”مُستبد إسلامي”. المقال السابق لروبرت فيسك في الإندبندنت بعنوان: الانقلاب فشل في تركيا ولكن التاريخ يرينا بأنّه لن يمضي وقت طويل قبل انقلاب آخر ناجح. المقال ذاته يُشير إلى أنّ الغرب يهمه الاستقرار أكثر من الحريّة ولذا يُفضّل بشار الأسد على الفوضى، لم أفهم حقيقًا كيف يمكن قبول الرجل الثاني ورفض الأوّل، أين هو الاستقرار الذي يؤمّنه وجود الأسد وأين هي الفوضى في ظل الحكومة التركية الحالية.
أضف إلى ذلك أنّ عدد الجنود المشاركين طبيعي (البعض استسخف تعداد القوات المُشاركة) إذ ينصّ القانون التركي على منع دخول الجيش المدن وتركّزه حصرًا في الثكنات العسكرية، لذا فإن تحرّك قطاعات كبيرة بإتجاه المدن كان سيلفت نظر قوى المخابرات والأمن على الفور (وهذا ما حصل في واقع الأمر وأدى إلى تنفيذ المُخطط على عجالة).
بل عادةً ما تتمّ الانقلابات بهذه الأسلوب: اعتقال رئيسي البلاد والأركان (أو قتلهما)، السيطرة على المطارات (وبعض المباني الحيوية الأخرى)، دخول مبنى التلفزيون لبثّ بيان الإنقلاب. وكل شيء آخر يأتي تباعًا. لا سيما مع ضمان تواطئ أو حياد قطاعات عسكرية كبيرة حينها لن يكون أمام الجيش عقبات تُذكر.
وبهذا الأسلوب وقعت في تركيا 4 إنقلابات خلال 40 سنة ما لا يجعل وقوع انقلاب آخر أمرًا مُتسغربًا أو مُستبعدًا بالنظر إلى بنية الجيش وتوجهه وتاريخه.
مشكلة نظرية المؤامرة أنها لا تستند إلى أدلة أو قرائن ولذا لا يُمكن نقضها عمليًا، لا أحد يُقدّم استدلالًا لمناقشته، ولا أعرف كيف يمكن لأي حكومة أن تُسخّر كبار قادة جيشها للقيام بمسرحية إنقلاب وتتفق معهم على محاكمتهم ومعاقبتهم (بل وربّما إعدامهم كما يجري الحديث) برضاهم وسرورهم.
البعض يقول هذه لعبة والإنقلاب نجح على الجيش التركي الوطني، رغم ذلك لم ينتقد أحد من هؤلاء قطاعات الجيش وكبار قواده الذين ساهموا بإنجاح هذه اللعبة.. إذا كان الجيش متواطئًا إلى هذه الدرجة مع الحكومة فلمَ لا يُصبّ عليه غضبًا مُماثلًا؟
الطريف أن مغرّد على تويتر أو مُحلّل على الفيسبوك اكتشف أنّ الانقلاب هو مسرحية من تخطيط أردوغان بينما فات ذلك عن جميع رموز وأحزاب المعارضة بل وحتى باقي القادة العسكريين الذين ستستهدف تلك “المسرحية” صلاحياتهم في البلاد.
يُذكّرني هذا – وبدون مُبالغة – بما جرى في الأسبوعين الماضيين عندما ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بتحليلات من نفس النوع الخرندعي في توضيح أهداف لعبة البوكميون التجسسية.. نعم نحن الفطاحل، يقضي الآخرون وقتًا طويلًا في التخطيط ويصرفون ملايين الدولارات في التنفيذ بينما نكون جاهزين لكشف المؤامرة مُباشرةً من اليوم التالي.. طبيعي أن تكون أوضاعنا جميعها بألف خير ونحن على هذا المستوى من التفوق الذكائي.