ما أهمية أن يكون البرنامج حراً؟
2009-11-16
(مشاركة لي نشرت في العدد الثامن من مجلة مجتمع لينوكس العرب)
معظم من يعلم ما هي البرمجيات الحرة (إن لم نقل كلهم) يسألون السؤال التالي :
ولكن لديّ برامجي بالفعل، وقد اعتدت على استخدامها، ثم إنني أستعملها بالمجان رغم كونها غير مجانية، وأشاركها مع أصدقائي، فلماذا أتحمل عناء استخدام برامج جديدة تقول أنها ستعطيني “الحرية” ؟
أولاً : لا تظن أنك قادر على الحصول على البرمجيات الإحتكارية (مثل Microsoft Office) بالمجان وإلى الأبد … تتجه الدول حالياً نحو تطبيق قوانين حماية “الملكية الفكرية” بشدة وبحزم، وسيأتي ذلك اليوم الذي ستُطبّق فيه هذه القوانين عندنا في سورية، وقد يكون التوقيع على عقد الشراكة الأوروبية يحمل شيئاً من هذا، لذلك فمن الأفضل أن تبدأ منذ الآن بالتعامل مع البرمجيات الحرة.
ثانياً : عندما تُطبّق قوانين الملكية الفكرية لا تظن أنك قادر على الإنتقال بين ليلة وضحاها لتصبح مستخدماً للبرمجيات الحرة. الأمر أصعب من ذلك، تحتاج إلى قسط من الوقت حتى تتعلم كيفية استخدام هذه البرامج الجديدة تماماً، كما أنه يلزمك المزيد من الوقت حتى تعتاد عليها، ناهيك عن الوقت الذي تحتاجه بحثاً عن الحلول لمشاكلك التقنية … الوقت الآن ملائم للبدء بالتدريج.
ثالثاً : هدف الشركات الإحتكارية مِن ترك ثغرات تُمكّن المخترقين من قرصنة برامجها هي تحقيق انتشار واسع لبرامجها في بلدان العالم الثالث التي لم تطبق بعد قوانين “الملكية الفكرية”، حتى إذا ما مرت عشرات السنوات واعتاد الناس في تلك البلدان النامية على استخدام هذه البرامج الإحتكارية، تقوم الشركات العابرة للقارات بالضغط على تلك الحكومات الموجودة في دول العالم الثالث لتطبيق قوانين الملكية الفكرية، في تلك اللحظة سيجد الناس صعوبة بالغة في تغيير برامجهم التي يستخدمونها (هذا ان كانوا قد سمعوا أصلا بوجود برامج حرة معظمها مجاني) وبالتالي سيضطرون – آسفين – لشراء تلك البرامج … في النهاية هناك أرباح خيالية للشركات العابرة للقارات بشكل إحتكاري …
كلما بكرت في تعلم واستخدام ونشر فكرة البرمجيات الحرة، كلما حققنا تحرراً أكثر من التبعية لتلك الشركات التي لا همّ لها سوى الإحتكار وإنهاك إقتصاديات البلدان النامية لتحقيق المزيد من التبعية لها في مجالات أخرى (سياسية وغيرها) ..
رابعاً : البرمجيات الإحتكارية لا تناسب الدول النامية على الإطلاق، الدول النامية – وسوريا منها – دول تطلع إلى النهضة .. والنهضة التقنية باتت أحد أهم جوانب النهضة في هذا القرن ولا يمكن لنهضة حقيقية أن تتم دون جانبها التقني … ولكن ما علاقة هذا بذاك ؟
البرمجيات الحرة هي السبيل الوحيد لأي نهضة تقنية نحلم بتحقيقها، والنهضة التقنية جزء لا يمكن من دونه قيام أي نهضة لمجتمعاتنا مهما حاولنا … الحوسبة دخلت في عمق حياتنا … وما عاد يمكن الإستغناء عنها …
لكن لماذا البرمجيات الحرة قادرة على تحقيق نهضة تقنية ؟
البرمجيات الحرة تتيح للعموم الكود المصدري لها، وبالتالي يمكن للمبرمجين في الدول النامية تطوير هذه البرامج بما يلزم احتياجاتهم هم وبيعها بسعر معقول يتناسب ودخل المواطن في تلك البلدان وعدم انتظار الشركة الأم لتقوم هي بالتعديلات على البرنامج وبأسعار خيالية جداً وإبقائها للمستخدم في حالة تبعية مستمرة لتحديثاتها وترقيعاتها … والمستخدم سيدفع المزيد والمزيد مقابل الفتات …
هذا كله يرهق إقتصاديات الدول النامية ويمنع من أي نهضة حقيقية أن تقوم.
خامساً : لن نضطر إلى إعادة إختراع العجلة في كل مرة نصنع بها سيارة، وهذا يعني أن توافر الكود المصدري للعموم يجعل من الأفكار والشيفرات تتمتع بميزة “التراكمية”. في المنتج المغلق المصدر (أي الإحتكاري) أنا لا املك أي مادة خام، وبالتالي عندما أكتب كود محرر نصوص فسأبداً من الصغر، وفي كل مرة سيفكر أحد بكتابة كود محرر نصوص سيبدأ كذلك من الصفر، أما في البرمجيات الحرة فهناك العديد من الشيفرات المصدرية ولا داعي لأن أبدأ من الصفر كل ما علي فعله هو إضافة أفكاري وتطويراتي على الكود الموجود أصلاً، وهكذا يساهم الجميع بالمزيد والمزيد من التحسين على الكود وتتراكم المعارف والأفكار ، وهذا يضمن أيضاً تطور للبرمجيات الحرة أسرع بكثير من تطور البرمجيات الإحتكارية، إذ كانت الثانية تبدأ من الصفر دائماً والأولى تبدأ من حيث إنتهى الآخرون.
سادساً : البرمجيات الحرة تتيح مجالاً واسعاً لدعم اللغة العربية، فتوافر الكود المصدري للعموم، يتيح لنا وبسهولة دعم اللغة العربية في البرامج بل وتعريب واجهات هذه البرامج وإضافة كل ما يحتاجه المستخدم العربي من ميزات، أنا هنا لا أتحدث عن “إمكانية” فعل ذلك، لكن هناك مجموعات وفرق برمجية تقوم فعلاً بتعريب البرمجيات الحرة … فريق “عرب آيز” على سبيل المثال، وجهودهم في هذا المجال جبارة حقيقةً.
أسباب شخصية لإستخدام البرمجيات الحرة:
أولاً : أعود لأذكّرك بأن الحرية تتضمن نشر الكود وإمكانية الإطلاع عليه، بخلاف البرامج الإحتكارية التي هي أشبه بالصندوق الأسود .. لا يمكن لأحد على الإطلاق أن يقدّم لك ضمان يكفل بألا تحتوي البرمجيات الإحتكارية التي تستخدمها على هاتفك النقال وجهاز الحاسب لديك أجزاء تجسسية، يمكن بسهولة أن يُتجسس عليك. مايكروسوفت ويندوز يتجسس على المستخدمين ، على سبيل المثال ، يرسل الكلمات التي يبحث المستخدم عنها في ملفاته الخاصة ، وما هي البرامج الأخرى المثبتة . ريل بلير (RealPlayer) يتجسس أيضا ، إنه يرسل ما يشغله المستخدم . الهواتف المحمولة مملوءة بالبرمجيات غير الحرة ، والتي تتجسس. الهواتف المحمولة ترسل إشارات موضعة حتى عندما تكون ‘مغلقة’ ، يمكن للعديد أن يرسلوا موقعك العالمي الدقيق سواء رغبت أو لا ، وبعض النماذج يمكن تشغيلها عن بعد كأجهزة تنصت. لا يمكن للمستخدمين إصلاح هذه الميزات الخبيثة لأنهم لا يملكون السيطرة عليها.
الطريقة الوحيدة للتأكد من أن برمجيتك تعمل لأجلك هي بإصرارك على البرمجية الحرة/المجانية. وهذا يعني أن المستخدمين الذين يحصلون على الشفرة المصدرية ، أحرار في دراستها وتغييرها
بإختصار : خصوصيتك وأمن بياناتك وأمنك الشخصي بأيدٍ امينة مع البرمجيات الحرة. ثق بذلك
ثانياً : في حال كونك مبرمجاً، تعتبر البرمجيات الحرة البيئة الأمثل لتنمية قدراتك وإمكانياتك، بإستطاعتك الإطلاع على الأكواد المصدرية لمئات الآلاف من البرامج، يمكنك المساهمة في تطوير أضخم المشاريع البرمجية الحرة بعد ذلك، كل هذا سيصقل مهاراتك وسيزيد من خبرتك ومعارفك، وستغدو عملةً نادرةً مطلوبة في السوق البرمجية، هذا أيضاً سيؤدي إلى رفع مرتبك في حال كنت مبرمجاً في إحدى الشركات (الحرة بالطبع!) ..
بإختصار : البرمجيات الحرة أفضل بيئة للمبرمجين والمطوّرين.
ثالثاً: استخدام البرمجيات الحرة يعزز فيك أسلوب الحياة الذي يعود بالنفع على المجتمع ككل، لأن الكل قادر على الحصول على البرنامج، الجميع قادر على الإطلاع على الكود المصدري، الجميع متاحة لهم الفرصة للمشاركة بتطوير هذه البرمجيات … تلك الميزات غير محصورة بفئة معينة بالمجتمع، لا مكان لـ “كهنة التكنولوجيا” في مجتمع البرمجيات الحرة … التعلم متاح للجميع ولا يحق لأحد إحتكاره. إن إستخدام البرمجيات الحرة ومشاركتها مع أصدقائك ستعزز فيك هذه الروح.
**رابعا: **كما قلنا سابقاً فمعظم البرمجيات الحرة مجانية، وحتى ان اردت تشغيل برنامج حر مدفوع الثمن فإن سعره سيكون معقول جداً، أو يمكنك الحصول عليه مجاناً من أي صديق قام بشرائه .. البرمجيات الحرة تعتبر خيار مجدي إقتصادياً سواءاً على مستوى الأفراد أو المدارس أو الجمعيات الخيرية أو حتى الحكومات.
**خامساً : **البرمجيات الحرة أكثر إستقراراً، وهذا مشهود بالتجربة، نظام التشغيل جنو لينكس (وهو أحد أكثر البرمجيات الحرة شيوعاً) أكثر إستقراراً من نظام التشغيل ويندوز، جنو لينكس مفتوح المصدر، وبالتالي فإن المئات والمئات من المبرمجين حول العالم يعملون وبإستمرار على تطوير النواة والبرامج الملحقة، إن وتيرة تطور البرمجيات الحرة أسرع بكثير من وتيرة تطور البرمجيات المغلقة (معظم البرمجيات الحرة (بما فيها النواة لينكس) تقدم إصدارة جديدة كل ستة أشهر) مما يجعل النظام أقل أخطاءً وأقل بعدد الثغرات وبالتالي أكثر إستقراراً، علاوةً على أنك ستنسى كل مشاكل الفيروسات وأحصنة طروادة وملفات التجسس عند إستخدامك لنظام تشغيل حر مثل جنو لينكس، إنه يعتبر أفضل نظام من حيث الآمان على الإطلاق.
سادساً : سهولة الإستخدام : ليس فقط للمستخدمين العاديين بل وحتى للمبتدئين، البرمجيات الحرة (مثل نظام التشغيل جنو لينكس) سهل التعامل (أقول هذا لأن هناك خرافة منتشرة تقول أن لينكس صعب وللمحترفين فقط)، لأنك في عالم حر فلن تسمع بعبارات كنت تسمعها حول البرامج الإحتكارية مثل “أسرار وخفايا ويندوز إكس بي” مثلاً أو “ما لا يعرفه الكثيرون عن ويندوز فيستا” .. مع البرمجيات الحرة لا يوجد أسرار ولا خفايا، لست بحاجة إلى سنوات طويلة من التعامل حتى تتقن هذا الذي “لا يعرفه الكثيرون”.
**سابعاً : **دعم حسب الطلب، كمستخدم عادي فعندما تتعامل مع البرمجيات الحرة، فإنه بإنتظارك مجتمع معرفي يؤمن بأن المعرفة من حق الجميع وبالمجان ومن دون قيود ومن دون إحتكار و بقطع النظر عن أية إعبارات دينية أو عرقية أو أيديولوجية. على الأقل، باللغة الإنكليزية، فهناك ألوف الدروس المجانية ودروس الفيديو، والمنتديات، والمدونات، ومواقع الدعم، وموسوعات الويكي، والدورات وحلول المشاكل ومستندات (كيف يمكن أن … ؟) وكل ذلك يلبي إحتياجاتك تماماً، في اللغة العربية، وإن كان على مستوى أقل، لكن هناك العديد من الصروح الضخمة التي تقوم على خدمة المستخدم العربي للبرمجيات الحرة، أكتفي الآن بذكر “مجتمع لينكس العرب”.
وفي حال كونك مديراً لشركة فهناك دعم فني، مدفوع الثمن، عالِ الجودة، يؤمّن إحتياجاتك ويحقق رغباتك.
**ثامناً **:مناسبة للأجهزة ذات الموارد المنخفضة، إن البرمجيات الحرة (على إختلاف أنواعها وبدءًا من نظام التشغيل حتى حزمة أدوات المكتب) لا تتطلب الكثير من المواصفات العالية على خلاف البرمجيات الإحتكارية التي مواكبتها تتطلب تحديث العتاد الصلب وباستمرار.
وحتى مع أقدم الأجهزة على الإطلاق ستجد كل ما ترغب به من برامج ونظم تشغيل تلائمه، بدلاً من رمي الأجهزة القديمة يمكنك تفعيلها من جديد (وبشكل حقيقي) مع البرمجيات الحرة
تاسعاً: تعمل على أكثر من منصة تشغيل، إن الغالبية العظمى من البرمجيات الحرة يمكنك الحصول على نسخ منها مخصصة لنظام التشغيل ويندوز وأخرى لنظام لينكس ونسخ مخصصة للماك وهكذا ..
في حال كنت تعمل على أكثر من نظام تشغيل فهذا لن يعني مع البرمجيات الحرة اختلاف بيئة العمل كليا كلما بدلت بين النظامين، يمكنك استخدام ذات البرامج على كليهما.