الدراسة في الثلاثينات إلى جانب العمل : تجربتي في UoPeople

2023-03-27

تحدثتُ سابقًا عن لماذا تركتُ دراستي الجامعية وكيف عدتُ لها. في هذه التدوينة أود الحديث عن تجربتي، وعمرها ثلاث سنوات إلى اليوم، في الدراسة افتراضيًا ضمن جامعة UoPeople.

تجربة تعليمية لشريحة عاملة

الدراسة ضمن جامعة UoPeople صُممت لمراعاة الشريحة التي تجاوزت في الغالب السن التقليدي للدراسة الجامعية وانخرطت في سوق العمل، وأصبحت مسؤولة عن إعالة الآخرين (كالأهل أو الأبناء) لكنها ترغب، في الوقت نفسه، بإنجاز تحصيل أكاديمي يساعد على إعطائها دفعة إلى الأمام. في إستطلاع الجامعة لعام 2020 فإن 73% من الطلاب لديهم عمل، ومسؤولون عن إعالة آخرين، نصف هذه الشريحة تعمل بدوام كامل (40 ساعة أسبوعيًا) إلى جانب الدراسة.

أعتقد أن كون الدراسة افتراضية يلعب دورًا أساسيًا في أنها تناسب الشريحة آنفة الذكر، حيث لا يضيع الطالب وقته في المواصلات، جيئة وذهابا، لا يوجد لساعة فراغ بين محاضرة وأخرى إلخ. وفي اعتقادي فإن هذا الوقت الذي يُصرف على أشياء فنية يغطّي بشكل كبير ما يحتاجه الطالب يوميا للدارسة. العامل الثاني الذي سبق وتحدثت عنه هو كون أسلوب الدراسة لاتزامني، أي أن كل الأنشطة الدراسية يمكن حضورها وإنجازها في الوقت الذي يناسبك طالما أنك لم تتجاوز الموعد النهائي.

من الأشياء التي أعجبتني بتصميم التجربة التعليمية هو أن المقرر الجامعي الأول UNIV 1001 يتمحور حول إعداد الطالب للقيام برحلة ناجحة في الدراسة افتراضيًا عبر الإنترنت، التعرف على أسلوب الدراسة، كيفية استخدام مرافق الجامعة الافتراضية (المكتبة، مكتب شؤون الطلاب إلخ)، تعلّم إدارة الوقت، تقديم مهارات الدراسة بفعالية، وغيرها من المهارات. أعتقد أن هذا المقرر هو بداية موفقة لجميع الطلاب.

نقطة أخرى وهي امتداد الدراسة في العام الأكاديمي على عشرة أشهر، موزعة على خمسة فصول، بحيث يستمر كل فصل لمدة 10 أسابيع (ثمانية أسابيع دراسية، أسبوع إمتحانات، وأسبوع عطلة). وبينما يعني هذا أن الطالب يظل مشغولًا معظم أيام العام في التحصيل الأكاديمي، لكنها تؤدي إلى توزيع العبء على عدد أشهر أكثر.

الآن نأتي إلى تفاصيل وجدتها مهمة في تيسير دراسة الطالب وبرمجة نشاطاته بحيث يتمكن من المقرر الجامعي ويحقق فيه درجة النجاح. أولًا؛ يشمل كل أسبوع دراسي في نهايته على اختبار (بدون علامات)، وهي فرصة لإختبار مقدار الفهم والإستيعاب لواجب القراءة. تشير العديد من الدراسات إلى فوائد الاختبارات أثناء الدراسة في رفع جودة ونسبة التحصيل العلمي.

إلى جانب هذا النوع من الاختبارات الأسبوعية، تشمل معظم المقررات على مذاكرتين مقيمتين (ترجمتي لتعبير Graded quiz، وهو إختبار يحصل الطالب في نهايته على علامة تدخل ضمن محصلته النهائية). تكون المذاكرة الأولى في الأسبوع الثالث، والأخرى في الأسبوع السادس، ما يدفع الطالب كل ثلاثة أسابيع لمراجعة ما تم دراسته. تلعب المراجعة الدورية دورًا كبيرًا في تحسين الاستذكار وترسيخ المعلومات.

أشياء حسّنت من تجربتي التعليمية

عدّة أشياء جربتها أثناء رحلتي الجامعية ووجدتها مفيدة وتحسن التحصيل الأكاديمي:

  • توفر الكتب والمحاضرات بشكل رقمي يدفع الطالب تلقائيًا لاستهلاكها كما هي. لكنني وجدتُ أن طباعتها رفع إنتاجيتي بشكل كبير. القراءة من شاشة الحاسب أو التابلت كانت أبطأ بكثير مقارنة مع قرائتي من الورق مباشرة.
  • لاحظتُ أن إنتاجيتي ترتفع بشكل كبير عندما أقرأ في مراكز الدراسة والمكتبات. رغم أنني لا أستطيع الذهاب يوميًا إلى مكان مخصص للدراسة ولكني أصبحت حريصًا على الذهاب في عطلة نهاية الأسبوع للقراءة في مكان منعزل. وهذا انعكس بشكل كبير على إنتاجيتي.
  • أثناء القراءة لابد من تحديد الأفكار الأساسية والمعلومات التي قد تبنى عليها أسئلة الإمتحان. كثافة المقررات الجامعية تعني أنه يستحيل قراءة المادة العلمية مرة ثانية. كل ما يمكنك فعله هو إعادة قراءة الأفكار الأساسية التي حددتها أثناء الدراسة الأولى.
  • وجدت أن إعادة قراءة الأفكار الغامضة من الكتاب المقرر لا تجدي في فهم المقصود غالبًا. إجراء بحث على الإنترنت والقراءة من مصادر متنوعة أكثر فائدة. في بعض الأحيان يكون المفهوم المراد شرحه أسهل فهمًا من خلال الفيديو.
  • عندما أدرس في المنزل، وجدت أن وضع السماعات في الأذنين مع موسيقى خافتة، يساعدني على الإنعزال عن الأصوات المحيطة والتركيز أكثر في الدراسة. هذه إحدى النقاط التي لم أكن أقتنع بجدواها في دراستي الجامعية الأولى.

هل الدراسة في جامعة إفتراضية أسهل من الجامعة التقليدية؟

بمقارنة الجهد الذي أبذله في UoPeople مع الجهد الذي كنتُ أبذله في دراستي الجامعية الأولى، فالعكس هو الصحيح بكل جدارة. قد يظن البعض أن الدراسة عن بعد غير جديّة أو سهلة. بل وقد يذهب أحدهم إلى الإعتقاد بأنه يمكنك ببساطة نسخ الوظائف من الإنترنت والغش في الإختبارات. تجربتي تقول أن الدراسة في UoPeople متطلبة أكثر من الدراسة في الجامعات التقليدية، ولديّ تجربتان إحداهما في جامعة سورية والأخرى في جامعة تركيّة.

الدراسة في UoPeople جديّة ومكثفة وتتطلب إلتزامًا حقيقيًا. وهذه الفجوة بين ما يعتقده الطالب - من أن الدراسة أونلاين سهلة ولا تتطلب جهدًا يذكر - وبين الواقع أعتقد أنها مسؤولة، بشكل كبير، عن حقيقة أنّ 16% فقط من طلبة البكالوريس يتمكنون من التخرج خلال 4 سنوات! ويرتفع الرقم ليصبح 22% من إجمالي الطلاب، مَن يستطيعون التخرج خلال 6 سنوات. قارن ذلك مع متوسط معدّل التخرج في الجامعات الأمريكية لطلاب البكالوريس خلال 6 سنوات وهو 64%.

الغش أونلاين ربما أسهل، لا أدري، لكن كشفه أكثر سهولة بكثير، لأن الوظائف رقمية ويتم فحصها تلقائيًا. ليس فقط أن كشف الأعمال المنحولة أمرٌ سهل، لكنه يعرض صاحبه، في المرة الرابعة إلى عقوبة الفصل من الجامعة.

هل تناسبني جامعة UoPeople

إذا كنتَ طالبًا جامعيًا تخرّج لتوه من المدرسة الثانوية، أي بعمر 19 عامًا تقريبًا، وليس لديك مسؤوليات أخرى غير الدراسة، وتتوفر أمامك خيارات للدراسة في جامعات تقليدية، فأعتقد أنك خارج الشريحة التي تستهدفها جامعة UoPeople، وربما جميع الجامعات الإفتراضية.

الدراسة أونلاين ستحرم مثل هؤلاء الطلاب من تجربة التعرف والاحتكاك مع عالم منوع داخل الحرم الجامعي، وهي تجربة ثرية ستلعب دورًا أساسيًا في حياة الطالب. في السابق، وعندما كنتُ طالبًا في الـ 19 من عمري، لم أكن أعي هذا الجانب، لكن الآن، يمكنني - وبوضوح - رؤية الدور الذي تلعبه الحياة الجامعية في شخصية الطلاب.

الدراسة في جامعة UoPeople لن تناسبك عمومًا إذا كنت تهتم بوجود احتكاك اجتماعي سواء مع باقي الطلبة أو مع الكادر التعليمي. التواصل في UoPoeple محدود، رقمي، لاتزامني ويدور حول المواضيع التعليمية ولا مساحة فيه للجانب الشخصي.

الدراسة في جامعة UoPeople تحتاج أيضًا إلى شخص لديه دافع ذاتي، موقف إيجابي تجاه التعلم ببيئة إفتراضية، ومهارة جيدة في تنظيم وإدارة الوقت إسأل نفسك، هل استطعت في السابق إكمال مساق دراسي عبر الإنترنت بشكل كامل بدافع ذاتي؟ إذا نجحت في ذلك لمرات قليلة فهذا مؤشر أنك تملك المهارات اللازمة للدراسة في بيئة تشبه UoPoeple، أما في حال كانت جميع التجارب التي تذكرها قد باءت بالفشل فهذا قد يضع علامة استفهام وجيهة على كون جامعة UoPeople تناسبك.

هل يمكنك أن تكون طالبًا بدوامٍ كامل وأن تعمل بدوامٍ كامل أيضًا؟

هذا ما استطعتُ القيام به خلال السنوات الثلاثة الماضية، لكن هناك ظروف يجب أن تكون متوفرة أو أن تخلقها لتتمكن من تحقيق ذلك. مهارات إدارة وتنظيم الوقت لوحدها غير كافية.

أولًا، العمل المرن أونلاين! لنفس الأسباب التي ذكرتها سابقًا من توفير وقت يومي يذهب هدرًا في المواصلات وغيرها. أيضًا، قد تجد عملًا بدوام كامل لمدة ثلاثين ساعة أو ماشابه على الإنترنت وهو ما لا يتوافر بسهولة في سوق العمل التقليدي. العمل المرن يعني أن ساعات العمل و\أو أيام العمل مرنة ما يساعدك على تبديل الوقت بين الدراسة والعمل وفقًا للظروف التي تستجد معك باستمرار.

العامل الثاني هو التخلي عن جانب كبير من الحياة الإجتماعية. فإلى جانب العمل، الدراسة والأسرة لن يكون بإمكانك القيام بمعظم الأنشطة الأخرى، مثل ممارسة هواية أو تقضية الوقت مع محيطك الإجتماعي. وفي الحقيقة حتى الحضور مع الأسرة سيتقلص إلى حد كبير للغاية، وبدون هذه التقليصات من هنا وهناك لا أعرف من أين يمكن أن تحصل على وقت للدراسة.

في النهاية أود القول أن تجربتي الجامعية هذه المرة غيّرت نظرتي كليًا تجاه التعليم التقليدي، أهميته ودوره. الدراسة الإفتراضية هي خيار معقول جدًا إن كنتَ قد تجاوزت السن التقليدي للدراسة وانخرطت بالعديد من المسؤوليات الأخرى، وهي على صعوبتها، فإنها تعتبر خيارًا ممكنا قابلًا للتحقيق.

مصدر الصورة البارزة


comments powered by Disqus