لماذا قررنا مغادرة تركيا بعد تسع سنوات من الإقامة؟
2024-08-25
في صيف عام 2022 ذهبنا لطلب "إذن سفر" لزيارة أنطاليا. كانت النية أن ننتقل إلى أنطاليا لشهرٍ من الزمن، كنوع من التغيير والاستمتاع بمناخ البحر الأبيض المتوسط وصيفه الحار. "إذن السفر" هو ورقة يجب على "اللاجئ" السوري الحصول عليها قبل مغادرة المحافظة التي يعيش فيها. في حينها؛ جاء الطلب مع الرفض. بطبيعة الحال لا يتم تقديم أية أسباب. القاعدة العامة أنه لا يتم إعطاء السوريين أذونة سفر إلى المناطق السياحية.
كان مشروع التصييف في أنطاليا قد استغرق جزءًا كبيرًا من أحلامنا في ذلك الوقت. جاء الرفض بمثابة مذكّرٍ لنا: متى سوف نحصل على الجنسية التركية؟
في 2018 تلقيتُ اتصالا من دائرة الهجرة يفيد بأن أسمائنا جاءت من أنقرة مرشحةً لنيل الجنسية التركية. طُلب منا تحضير بعض الأوراق للتقديم وفق قانون "الجنسية الإستثنائية". لا يحق للسوريين الحصول على الجنسية التركية مهما طالت فترة عيشهم أو عملهم في البلد. ولا يتعلق ذلك بأية شروط، مثل إجادة اللغة أو العمل، الوضع الافتراضي أنه لا جنسية للسوريين، لكن في عام 2015 أفادت السلطات بنيتها تجنيس 300 ألف سوري، وهو ما يعرف بالجنسية الإستثنائية.
يعرف السوريون بأن ترشيح الأسماء بدوره لا يخضع لشروطٍ واضحة. الأسماء التي يتم ترشيحها لا تخضع لنفس المعايير، لا من حيث التعليم، ولا من حيث التحدث باللغة التركية ولا من حيث العمل. قد يكون لدى السلطات شروطها، لكنها فقط غير معلنة ومن الصعب أن يتم استنتاجها.
بعد أن رُفض إذن السفر لنا في صيف 2022 شعرنا بأنه قد انتظرنا وقتًا أطول مما يجب وأنه بات علينا إيجاد فرصة للسفر إلى دولة أخرى. وكان هذا هو الدافع المباشر لمغادرتنا تركيا في صيف 2024.
أما الدافع غير المباشر والأكثر عمقًا فهو التجارب السابقة التي ذكرتها، من قبيل ما هو الأساس الذي عليه تُرشح بعض الأسماء لنيل الجنسية؟ ما هو الأساس الذي عليه تُقبل بعض الترشيحات؟ ما هي المعايير التي يُقبل فيها إذن السفر؟ ما هو الأساس في قبول أو رفض طلبات التأشيرة؟ الإجابة على جميع هذه الأسئلة وغيرها غير معلوم، حيث لا تنشر السلطات أية معلومات حول ذلك، ولا يوجد قانون منشور يمكن العودة إليه. وحتى بوجود بعض القوانين التي تنظم شؤون السوريين في تركيا، فسيادة القانون في البلد ضعيفة، وهذا ليس رأيًا شخصيًا فقط، حيث يُصنّف مؤشر سيادة القانون تركيا على المرتبة 117 من 142 عالميًا. بهذه الطريقة تلعب العشوائية دورًا كبيرًا في حياتك وتقرر عنك ما إذا كنت ستحصل على منحة دراسية، على الجنسية، على إذن عمل، على إذن سفر، على تأشيرة للخروج أو للدخول. وبينما أنت تبذل جهدًا لاستكشاف الأسباب والسعي ورائها، تُفاجئك العشوائية بقرارتها غير المنطقية.
بعبارة أدق، فإن مغادرتنا لتركية ورغم أنها جاءت بدافع من عدم حصولنا على الجنسية التركية، فإن عدم حصولنا على الجنسية التركية هو بسبب غياب القانون وضعف سيادته، الأمر الذي ينعكس على مختلف المجالات. مثل تردي حرية الإنسان عمومًا وحرية الصحافة خصوصًا. وبالنسبة لإثنين من النشطاء الذين يعملون في مجال رصد انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق النزاع، لا تشكل تركيا بالتأكيد خيارًا ملائمًا أو آمنًا.
رغم ذلك، فقرار المغادرة لم يكن سهلًا، فتجربتنا من النواحي الأخرى كانت إيجابية. لقد أمضينا تسع سنوات، اخترنا بها أن ننغمس في التجربة التركية؛ من ناحية ألا نحصر أنفسنا بالعيش والتعامل مع الجالية السورية فقط. تعلمنا اللغة، بنينا أنفسنا، وحققنا استقرارًا وتأقلمًا عاليًا. وقد كانت هذه التجربة ثرية للغاية وطبعت حياتنا وثقافتنا بنهكة تركية ستظل معنا أينما كنا. أقول، بأن الإلفة والإستقرار عاملان ليس من السهل التخلي عنهما أبدًا، ولكن الأخبار الجيدة أنه يمكن دائمًا بناؤهما من جديد!