واحدة من أكثر السياقات إحراجًا للمؤسسة الدينيّة حتى بين صفوف معتدليها هو سياق الفنّ، فبينما يعتبر الفنّ واحدًا من حاجات الإنسان الأساسيّة كالطعام والشراب، تمتلئ الكتب الفقهيّة بأحاديث تحرّم مجالات فنيّة واسعة، بدءًا من النحت والتصوير، مرورًا بالرسم، وإنتهاءًا بالغناء والموسيقى، وتتنوع هذه الأحاديث بين صحيحة (مذكورة في البخاري ومسلم)، وما دون ذلك، ورغم ما يقال عن جماليّة الخطاب القرآنيّ، وعن نمو فنون تميّزت بها الحضارة الإسلاميّة (كالزخارف والنقوش والخطوط)، فإنّ هذا لا يغيّر شيئًا من النظرة غير المتصالحة مع الفنّ وأهله، وكثيرةٌ هي القصص عن أصحاب مواهب فنيّة، تخلوا عن موهبتهم عقب تدينهم، لإعتقادهم أنّ التدين المكتمل يتعارض مع هذه المواهب، كما خسر الإلتزام (في المقابل) كثيرًا من أبنائه وجدوا في أنفسهم موهبة فنيّة فريدة، جوبهت بتيّار يرى حرمة معظم ألوان الفنّ، وتحت الضغط، لم يكن من سبيل إلّا للتمسّك بالموهبة الفنيّة، ووسم الذات بأنها “غير محافظة”، رغم الإنعكاس اللاحق والتدريجي لهذه النظرة على مناحي أخرى.
تابع القراءة